إلى المنعم عليهم، وإلا فيلزم كون مفاد الآية هكذا: " اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم نعمة الهداية، أي صراط المهتدين "، وهذا خلاف البلاغة جدا، فالبلاغة تقتضي أن تكون الآية الكريمة الشريفة بصدد المعنى الآخر، وهو هكذا: " اهدنا الصراط المستقيم هداية إلى المطلوب الأعلى، صراط الذين أنعمت عليهم وأتممت نعمة الهداية في حقهم ". والله العالم بحقائق آياته.
وإن شئت قلت: الهداية على أصناف وأقسام ربما تبلغ إلى عشرة:
1 - الهداية بنور الفطرة المخمورة برفض الحجب النورانية والظلمانية في السلوك إلى الله تعالى، وعدم الابتلاء بالمعاصي والذنوب القالبية والقلبية، ولا بحجاب الكثرات الأفعالية والأسمائية.
2 - الهداية بنور الشريعة والاهتداء بأصل التشريع الإلهي والرسالة الإلهية.
3 - الهداية بنور الإسلام والإقرار به لسانا وقلبا.
4 - الهداية بنور القرآن، والاعتقاد بأنه تبيان كل شئ لا يتوقف فيه على ظواهره برفض حقائقه، ولا يدخل بالتخيلات الشيطانية في الآيات القرآنية، بالتأويلات الباردة والتفسيرات المضحكة المحرمة، بل يأخذ القرآن كتاب التفكر والتدبر، ويجده كتاب الهداية والاستكمال، ويرقى به إلى آخر منازل السير والسلوك بقدم المعرفة والإيمان، فلا يكون من المفرطين ولا من المفرطين، لا من الذين لعبوا بآياته حسب شهواتهم، ولا من الجامدين المنكرين لجواز النظر فيه والتدبر في محكماته، بل يهتدي بهداية القرآن، ويأخذ حد العدالة والطريقة