النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لهم كان في الخروج، لأنه إذا كره الله سبحانه خروجهم، وأراد قعودهم، وأذن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، في قعودهم، فلا عتب عليه، ولكنهم استأذنوا في الخروج تملقا، وإرادة للفساد، فأذن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لهم فيه، ولم يعلم ضمائرهم، فعلم الله تعالى ذلك من نياتهم، ومنعهم من الخروج، إذ كره خروجهم.
ثم بين سبحانه وجه الحكمة في كراهية انبعاثهم، وتثبيطهم عن الخروج، فقال (لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا) معناه: لو خرج هؤلاء المنافقون معكم إلى الجهاد، ما زادوكم بخروجهم إلا شرا وفسادا. وقيل: غدرا ومكرا، عن الضحاك.
وقيل: يريد عجزا وجبنا، عن ابن عباس أي: إنهم كانوا يجبنونكم عن لقاء العدو بتهويل الأمر عليكم. (ولأوضعوا خلالكم) أي: لأسرعوا في الدخول بينكم بالتضريب، والإفساد، والنميمة. يريد ولسعوا فيما بينكم بالتفريق بين المسلمين.
ويكون تقديره ولأعدوا الإبل وسطكم. وقيل: معناه لأوضعوا إبلهم خلالكم، يتخلل الراكب الرجلين حتى يدخل بينهما فيقول ما لا ينبغي.
(يبغونكم الفتنة) بعدو الإبل وسطكم، ومعنى يبغونكم: يبغون لكم أو فيكم أي: يطلبون لكم المحنة باختلاف الكلمة والفرقة. وقيل: معناه يبغونكم أن تكونوا مشركين. والفتنة: الشرك، عن الحسن. وقيل: معناه يخوفونكم بالعدو، ويخبرونكم أنكم منهزمون، وأن عدوكم سيظهر عليكم، عن الضحاك (وفيكم سماعون لهم) أي: وفيكم عيون للمنافقين ينقلون إليهم ما يسمعون منكم، عن مجاهد، وابن زيد. وقيل: معناه وفيكم قائلون منهم عند سماع قولهم، يريد ضعفة المسلمين، عن قتادة، وابن إسحاق، وجماعة (والله عليم بالظالمين) أي: بهؤلاء المنافقين الذين ظلموا أنفسهم لما أضمروا عليه من الفساد، منهم عبد الله بن أبي، وجد بن قيس، وأوس بن قبطي.
ثم أقسم الله سبحانه فقال (لقد ابتغوا الفتنة من قبل) الفتنة: اسم يقع على كل سوء وشر، والمعنى: لقد طلب هؤلاء المنافقون اختلاف كلمتكم، وتشتيت أهوائكم، وافتراق آرائكم، من قبل غزوة تبوك أي: في يوم أحد، حين انصرف عبد الله بن أبي بأصحابه، وخذل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فصرف الله سبحانه عن المسلمين فتنتهم. وقيل: أراد بالفتنة صرف الناس عن الإيمان، وإلقاء الشبهة إلى ضعفاء المسلمين، عن الحسن. وقيل: أراد بالفتنة الفتك بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، في غزوة تبوك