لأن المضل لغيره ضال بفعله إضلال غيره، فأما يضل: فالمعنى فيه أن كبراءهم وأشرافهم يضلونهم بحملهم على هذا التأخير في الشهور. وقرئ في الشواذ (يضل) بفتح الياء والضاد، وهذه لغة أعني: ضللت أضل.
اللغة: قال أبو زيد: نسأت الإبل في ظمئها يوما أو يومين أو أكثر من ذلك، والمصدر النسئ يقال: نسأت الإبل عن الحوض أنساها نساء: إذا أخرتها عنه.
والمواطأة: الموافقة يقال واطأ في الشعر إذا قال بيتين على قافية واحدة، وأوطأ مثله.
المعنى: لما قدم سبحانه ذكر السنة والشهر، عقبه بذكر ما كانوا يفعلونه من النسئ فقال: (إنما النسئ زيادة في الكفر) يعني: تأخير الأشهر الحرم عما رتبها الله سبحانه عليه، وكانت العرب تحرم الشهور الأربعة، وذلك مما تمسكت به من ملة إبراهيم وإسماعيل، وهم كانوا أصحاب غارات وحروب، فربما كان يشق عليهم أن يمكثوا ثلاثة أشهر متوالية، لا يغزون فيها (1)، فكانوا يؤخرون تحريم المحرم إلى صفر، فيحرمونه ويستحلون المحرم، فيمكثون بذلك زمانا، ثم يزول التحريم إلى المحرم، ولا يفعلون ذلك إلا في ذي الحجة.
قال ابن عباس: ومعنى قوله (زيادة في الكفر): انهم كانوا أحلوا ما حرم الله، وحرموا ما أحل الله. قال الفراء: والذي كان يقوم به رجل من كنانة، يقال له نعيم بن ثعلبة، وكان رئيس الموسم، فيقول: أنا الذي لا أعاب، ولا أخاب، ولا يرد لي قضاء! فيقولون: نعم صدقت، أنسئنا شهرا، أو أخر عنا حرمة المحرم، واجعلها في صفر، وأحل المحرم، فيفعل ذلك.
والذي كان ينسأها حين جاء الاسلام، جنادة بن عوف بن أمية الكناني، قال ابن عباس: وأول من سن النسئ عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف، وقال أبو مسلم بن أسلم: بل رجل من بني كنانة، يقال له القلمس، كان يقول: إني قد نسأت المحرم العام، وهما العام صفران، فإذا كان العام القابل قضينا فجعلنا هما محرمين، قال شاعرهم (وما ناسئ الشهر القلمس)، وقال الكميت:
ونحن الناسؤون على معد * شهور الحل نجعلها حراما