(لو كان عرضا قريبا) معناه: لو كان ما دعوتهم إليه غنيمة حاضرة (وسفرا قاصدا) أي: قريبا هينا. وقيل: قاصدا أي ذا قصد نحو تأمر ولابن (1)، عن المبرد. وقيل: سهلا متوسطا غير شاق (لاتبعوك) طمعا في المال (ولكن بعدت عليهم الشقة) أي: المسافة، يعني غزوة تبوك أمروا فيها بالخروج إلى الشام.
(وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم) معناه: إن هؤلاء سيعتذرون إليك في قعودهم عن الجهاد، ويحلفون لو استطعنا، وقدرنا، وتمكنا من الخروج، لخرجنا معكم.
ثم أخبر سبحانه أنهم (يهلكون أنفسهم) بما أسروه من الشرك. وقيل:
باليمين الكاذبة، والعذر الباطل، لما يستحقون عليها من العقاب (والله يعلم إنهم لكاذبون) في هذا الاعتذار والحلف.
وفي هذه دلالة على صحة نبوة نبينا، صلى الله عليه وآله وسلم، إذ أخبر أنهم سيحلفون قبل وقوعه، فحلفوا، وكان مخبره على ما أخبر به، وفيه أيضا دلالة واضحة على أن القدرة قبل الفعل، لأن هؤلاء لا يخلو إما أن يكونوا مستطيعين من الخروج، قادرين عليه، ولم يخرجوا، أو لم يكونوا قادرين عليه، وإنما حلفوا لو أنهم قدروا في المستقبل لخرجوا، فإن كان الأول فقد ثبت أن القدرة قبل الفعل، وإن كان الثاني فقد كذبهم الله تعالى في ذلك، وبين أنه لو فعل لهم الاستطاعة لما خرجوا.
وفي ذلك أيضا وجوب تقدم القدرة على المقدور، فإن حملوا الاستطاعة على وجود الآلة، وعدة السفر، فقد تركوا الظاهر من غير ضرورة، فإن حقيقة الاستطاعة القدرة على أنه لو كان عدم الآلة والعدة عذرا في التأخر، فعدم القدرة أصلا أحرى وأولى أن يكون عذرا فيه.
ثم خاطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بما فيه بعض العتاب في إذنه لمن استأذنه في التأخر عن الخروج معه إلى تبوك فقال (عفا الله عنك لم أذنت لهم) في التخلف عنك، قال قتادة، وعمرو بن ميمون: اثنان فعلهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لم يؤمر بهما: اذنه للمنافقين، وأخذه الفداء من الأسارى، فعاتبه الله كما تسمعون، وهذا من لطيف المعاتبة، بدأه بالعفو قبل العتاب، وهل كان هذا الإذن قبيحا أم لا؟ قال الجبائي: