أمرنا من مواضع الهلكة، فسلمنا مما وقعوا فيه.
(ويتولوا وهم فرحون) أي: رجعوا إلى بيوتهم فرحين بما أصاب المؤمنين من الشدة (قل) يا محمد لهم (لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) أي: كل ما يصيبنا من خير أو شر فهو ما كتبه الله في اللوح المحفوظ في أمرنا، وليس على ما تظنون وتتوهمون من إهمالنا من غير أن يرجع أمرنا إلى تدبير، عن الحسن. وقيل: معناه لن يصيبنا في عاقبة أمرنا إلا ما كتب الله لنا في القرآن من النصر الذي وعدنا، وأنا نظفر بالأعداء فتكون النصرة حسنى لنا، أو نقتل فتكون الشهادة حسنى لنا أيضا، أي: فقد كتب الله لنا ما يصيبنا، وعلمنا ما لنا فيه من الحظ، عن الزجاج، والجبائي. (هو مولانا) أي: هو مالكنا ونحن عبيده. وقيل: هو ولينا وناصرنا، يحفظنا ويتولى حياطتنا، ودفع الضرر عنا.
(وعلى الله فليتوكل المؤمنون) هذا أمر من الله تعالى للمؤمنين بالتوكل عليه، والرضا بتدبيره وتقديره، فليتوكل على الله المؤمنون (قل) يا محمد لهؤلاء المنافقين: (هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين) معناه: هل تنتظرون لنا إلا احدى الخصلتين الحميدتين، والنعمتين العظيمتين: إما الغلبة والغنيمة في العاجل، وإما الشهادة مع الثواب الدائم في الآجل، عن ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وغيرهم. و (هل) وإن كان حرف الاستفهام، فمعناه هنا التقريع بالتربص المؤدي صاحبه إلى كل ما كرهه من خيبة، وفوز خصمه، ومن هلاكه ونجاة خصمه، ومن شقوته وسعادة خصمه (ونحن نتربص بكم) أي: ونحن نتوقع بكم (أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا) أي: يوقع الله بكم عذابا من عنده، يهلككم به، أو بأن ينصرنا عليكم، فيقتلكم بأيدينا (فتربصوا) صورته صورة الأمر، والمراد به التهديد كقوله (اعملوا ما شئتم) لأنه لو كان أمرا لهم، لكانوا في تربصهم بالمؤمنين القتل مطيعين الله (إنا معكم متربصون) أي: منتظرون إما الشهادة والجنة، وإما الغنيمة والأجر لنا، وإما البقاء في الذل والخزي، وإما الموت أو القتل مع المصير إلى النار لكم.
وهذه الآية تفسير لقوله تعالى (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) وقيل:
معناه فتربصوا هلاكنا فإنا متربصون هلاككم. وقيل: تربصوا مواعيد الشيطان في إبطال دين الله، ونحن متربصون مواعيد الله في إظهار دينه، ونصرة نبيه، واستئصال مخالفيه.