(وتصدق علينا) أي: سامحنا بما بين النقدين، وسعر لنا بالردئ كما تسعر بالجيد. وقيل: معناه تصدق علينا برد أخينا، عن ابن جريج والضحاك.
(إن الله يجزي المتصدقين) أي: يثيبهم على صدقاتهم بأفضل منها. وفي كتاب النبوة بالاسناد عن الحسن بن محبوب، عن أبي إسماعيل الفراء، عن طربال، عن أبي عبد الله عليه السلام في خبر طويل: إن يعقوب كتب إلى يوسف. بسم الله الرحمن الرحيم. إلى عزيز مصر، ومظهر العدل، وموفي الكيل، من يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن، صاحب نمرود الذي جمع له النار ليحرقه بها، فجعلها الله عليه بردا وسلاما، وأنجاه منها. أخبرك أيها العزيز: إنا أهل بيت، لم يزل البلاء إلينا سريعا من الله، ليبلونا عند السراء والضراء، وإن المصائب تتابعت علي عشرين سنة، أولها أنه كان لي ابن سميته يوسف، وكان سروري من بين ولدي، وقرة عيني، وثمرة فؤادي، وأن اخوته من غير أمه سألوني أن أبعثه معهم يرتع ويلعب، فبعثته معهم بكرة، فجاؤوني عشاء يبكون، وجاؤوا على قميصه بدم كذب، وزعموا أن الذئب أكله. فاشتد لفقده حزني، وكثر عن فراقه بكائي، حتى ابيضت عيناي من الحزن، وإنه كان له أخ، وكنت به معجبا، وكان لي أنيسا، وكنت إذا ذكرت يوسف ضممته إلى صدري، فسكن بعد ما أجد في صدري، وان اخوته ذكروا لي أنك سألتهم عنه، وأمرتهم أن يأتوك به، فإن لم يأتوك به منعتهم الميرة، فبعثته معهم ليمتاروا لنا قمحا، فرجعوا إلي، وليس هو معهم، وذكروا أنه سرق مكيال الملك، ونحن أهل بيت لا نسرق، وقد حبسته عني وفجعتني به، وقد اشتد لفراقه حزني، حتى تقوس لذلك ظهري، وعظمت به مصيبتي، مع مصائب تتابعت علي فمن علي بتخلية سبيله، وإطلاقه من حبسك، وطيب لنا القمح، واسمح لنا في السعر، وأوف لنا الكيل، وعجل سراح آل إبراهيم.
قال فمضوا بكتابه حتى دخلوا على يوسف في دار الملك، وقالوا: (يا أيها العزيز! مسنا وأهلنا الضر) إلى آخر الآية. وتصدق علينا بأخينا ابن يامين، وهذا كتاب أبينا يعقوب إليك في أمره، يسألك تخلية سبيله، فمن به علينا. فأخذ يوسف كتاب يعقوب، وقبله ووضعه على عينيه، وبكى وانتحب حتى بلت دموعه القميص الذي عليه، ثم أقبل عليهم و (قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه) ومعناه أنه قال لهم: هل علمتم ما فعلتم بيوسف من إذلاله، وإبعاده عن أبيه، وإلقائه في