البئر، والاجتماع على قتله، وبيعه بثمن وكس، وما فعلتم بأخيه من إفراده عن يوسف، والتفريق بينهما، حتى صار ذليلا فيما بينكم، لا يكلمكم إلا كما يكلم الذليل العزيز؟ وإنما لم يذكر أباه يعقوب مع عظم ما دخل عليه من الغم لفراقه، تعظيما له، ورفعا من قدره، وعلما أن ذلك كان بلاء له، ليزداد به علو الدرجة، ورفعة المنزلة عند الله تعالى.
قال ابن الأنباري: هذا استفهام يعني به تعظيم القصة، ومعناه: ما أعظم ما ارتكبتم، وما أقبح ما أتيتم من قطيعة الرحم، وتضييع حقه، كما يقول الرجل: هل تدري من عصيت. وفي هذه الآية مصداق قوله (لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون) وقوله (إذ أنتم جاهلون) أي: صبيان عن أبن عباس. وقيل: شبان عن الحسن، ومعناه: فعلتم ذلك حين كنتم جاهلين جاهلية الصبي في عنفوان الشباب، حين يغلب على الانسان الجهل، ولم ينسبهم إلى الجهل في حال الخطاب، لأنهم كانوا تائبين نادمين في تلك الحال، وكان هذا تلقينا لهم لما يعتذرون به إليه. وهذا هو الغاية في الكرم، إذ صفح عنهم، ولقنهم وجه العذر، وقالوا: أإنك لأنت يوسف؟ قيل: إن يوسف لما قال لهم (هل علمتم) الآية تبسم، فلما أبصروا ثناياه، وكانت كاللؤلؤ المنظوم، شبهوه بيوسف، و (قالوا) له (أإنك لأنت يوسف) عن ابن عباس. وقيل: رفع التاج عن رأسه فعرفوه (قال أنا يوسف) أظهر الاسم، ولم يقل: أنا هو، تعظيما لما وقع به من ظلم إخوته، فكأنه قال: أنا المظلوم المستحل منه المحرم، المراد قتله. فكفى ظهور الاسم من هذه المعاني، عن ابن الأنباري قال: ولهذا قال (وهذا أخي) لأن قصده، وهذا الظلوم كظلمي (قد من الله علينا) بالاجتماع بعد طول الفرقة. وقيل: من الله علينا بكل خير في الدنيا والآخرة (انه من يتق) أي: يتق الله (ويصبر) على المصائب، وعن المعاصي (فإن الله لا يضيع أجر المحسنين) أي: أجر من كان هذا حاله والضياع ذهاب الشئ من غير عوض (قالوا تالله) أي: أقسموا بالله سبحانه (لقد آثرك الله علينا) أي: فضلك واختارك الله علينا بالحلم، والعلم، والعقل، والحسن، والملك (وإن كنا لخاطئين) أي: ما كنا إلا مخطئين آثمين فيما فعلنا. وهذا يدل على أنهم ندموا، على ما فعلوا، ولم يصروا عليه (قال) يوسف (لا تثريب عليكم اليوم) أي: لا تعيير، ولا توبيخ ولا تقريع عليكم الآن، فيما فعلتم (يغفر الله لكم)