الناس أمة واحدة) أي: على ملة واحدة، ودين واحد، فيكونون مسلمين صالحين، عن قتادة. وذلك بأن يلجئهم إلى الاسلام، بأن يخلق في قلوبهم العلم بأنهم لو راموا غير ذلك لمنعوا منه، لكن ذلك ينافي التكليف، ويبطل الغرض بالتكليف، لأن الغرض به استحقاق الثواب، والإلجاء يمنع من استحقاق الثواب، فلذلك لم يشأ الله ذلك، ولكنه شاء أن يؤمنوا باختيارهم، ليستحقوا الثواب.
وقيل: معناه لو شاء ربك لجعلهم أمة واحدة في الجنة، على سبيل التفضل، لكنه اختار لهم أعلى الدرجتين، فكلفهم ليستحقوا الثواب، عن أبي مسلم. وقيل:
معناه لو شاء لرفع الخلاف فيما بينهم. (ولا يزالون مختلفين) في الأديان بين يهودي، ونصراني، ومجوسي، وغير ذلك، عن مجاهد، وقتادة، وعطا، والأعمش، والحسن في إحدى الروايتين عنه. وفي الرواية الأخرى عنه أنهم مختلفون في الأرزاق، والأحوال، ولتسخير بعضهم لبعض. وقيل: معناه يخلف بعضهم بعضا في الكفر، تقليدا من غير نظر، فإن قولك: خلف بعضهم بعضا، وقولك: اختلفوا سواء، كما أن قولك قتل بعضهم بعضا، وقولك: اقتتلوا سواء، عن أبي مسلم.
(إلا من رحم ربك) من المؤمنين، فإنهم لا يختلفون، ويجتمعون على الحق، عن ابن عباس. والمعنى: لا يزالون مختلفين بالباطل إلا من رحمهم الله بفعل اللطف لهم، الذي يؤمنون عنده، ويستحقون به الثواب، فإن من هذه صورته ناج من الاختلاف بالباطل (ولذلك خلقهم) اختلف في معناه فقيل: يريد وللرحمة خلقهم، عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، وهذا هو الصحيح.
واعترض على ذلك بأن قيل: لو أراد الله ذلك. لقال: ولتلك خلقهم، لأن الرحمة مؤنثة، وهذا باطل، لأن تأنيث الرحمة غير حقيقي، فإذا ذكر، فعلى معنى التفضل والانعام. وقد قال سبحانه: (هذا رحمة من ربي) و (إن رحمة الله قريب) ومثله قول امرئ القيس:
برهرهة، رؤدة، رخصة * كخزعوبة البانة المنفطر (1) ولم يقل المنفطرة، لأنه ذهب إلى الغصن، وقال: