تذهب السيئات، فيه تذكار وموعظة لمن تذكر به، وفكر فيه (واصبر) قيل: معناه واصبر على الصلاة كما قال: (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها). (فإن الله لا يضيع أجر المحسنين) أي: المصلين، عن ابن عباس. وقيل: معناه اصبر يا محمد على أذى قومك، وتكذيبهم إياك، وعلى القيام بما افترضته عليك، وعلى أداء الواجبات، والامتناع عن المقبحات، فإن الله لا يهمل جزاء المحسنين على إحسانهم، ولا يبطله، بل يكافيهم عليه أكمل الثواب.
(فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية) أي: هلا كان، وإلا كان، ومعناه: النفي، وتقديره: لم يكن من القرون من قبلكم قوم باقون (ينهون عن الفساد في الأرض) أي: كان يجب أن يكون منهم قوم بهذه الصفة، مع إنعام الله تعالى عليهم، بكمال العقل، وبعثة الرسل إليهم، وإقامة الحجج لهم. وهذا تعجيب وتوبيخ لهؤلاء الذين سلكوا سبيل من قبلهم في الفساد نحو عاد، وثمود، والقرون التي عدها القرآن، وأخبر بهلاكها أي: إن العجب منهم، كيف لم تكن من جملتهم بقية في الأرض، يأمرون فيها بالمعروف، وينهون عن المنكر؟ وكيف اجتمعوا على الكفر حتى استأصلهم الله بالعذاب، وأنواع العقوبات لكفرهم بالله، ومعاصيهم له. وقيل: (أولوا بقية) معناه: ذوو دين وخير. وقيل: معناه ذوو بركة.
وقيل: ذوو تمييز وطاعة (إلا قليلا ممن أنجينا منهم) المعنى: إن قليلا منهم كانوا ينهون عن الفساد، وهم الأنبياء والصالحون الذين آمنوا مع الرسل، فأنجيناهم من العذاب الذي نزل بقومهم. وإنما جعلوا هذا الاستثناء منقطعا، لأنه إيجاب لم يتقدم فيه صيغة النفي، وإنما تقدم تهجين خرج مخرج السؤال، ولو رفع لجاز في الكلام.
(واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه) أي: واتبع المشركون ما عودوا من النعم والتنعم، وإيثار اللذات على أمور الآخرة، واشتغلوا بذلك عن الطاعات (وكانوا) أي: وكان هؤلاء المتنعمون البطرون (مجرمين) مصرين على الجرم. وفي الآية دلالة على وجوب النهي عن المنكر، لأنه سبحانه ذمهم بترك النهي عن الفساد، وأخبر بأنه أنجى القليل منهم لنهيهم عن ذلك، ونبه على أنه لو نهى الكثير كما نهى القليل، لما هلكوا. ثم أخبر سبحانه أنه لم يهلك إلا بالكفر والفساد، فقال: (وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون) وذكر في تأويله وجوه:
أحدها: إن المعنى وما كان ربك ليهلك القرى بظلم منه لهم، ولكن إنما