قوله: (إنما الأعمال) قال جماهير العلماء من أهل العربية والأصول وغيرهم لفظه إنما موضوعة للحصر نثبت المذكور وتنفي ما سواه فتقدير هذا الحديث أن الأعمال تحسب بنية ولا تحسب إذا كانت بلا نية قاله النووي والأعمال أعم من أن تكون أقوالا أو أفعالا فرضا أو نفلا قليلة أو كثيرة صادرة من المكلفين المؤمنين (بالنية) بالإفراد ووقع في رواية البخاري في أول صحيحه بالنيات بالجمع قال الحافظ كذا أورد هنا وهو من مقابلة الجمع بالجمع أي كل عمل بنيته وقال الحربي كأنه أشار بذلك إلى أن النية تتنوع كما تتنوع الأعمال كمن قصد بعمله وجه الله أو تحصيل موعوده أو الانقاء لوعيده ووقع في معظم الروايات بإفراد النية ووجهه أن محل النية القلب وهو متحد فناسب إفرادها بخلاف الأعمال فإنها متعلقة بالظواهر وهي متعددة فناسب جمعها ولأن النية ترجع إلى الاخلاص وهو أحد للواحد الذي لا شريك له انتهى قال النووي والنية القصد وهو عزيمة القلب وتعقبه الكرماني بأن عزيمة القلب قدر زائد على أصل القصد وقال البيضاوي النية عبارة عن انبعاث القلب نحو ما يراه موافقا لغرض من جلب نفع أو دفع ضرر حالا أو مآلا والشرع خصصه بالإرادة المتوجهة نحو الفعل لابتغاء رضا الله وامتثال حكمه والنية في الحديث محمولة على المعنى اللغوي ليصح تطبيقه على ما بعده وتقسيمه أحوال المهاجر فإنه تفصيل لما أجمل ولا بد من محذوف يتعلق به الجار والمجرور فقيل تعتبر وقيل تكمل وقيل تصح وقيل تحصل وقيل تستقر وقيل الكون المطلق قال البلقيني هو الأحسن قال الطيبي كلام الشارع محمول على بيان الشرع لأن المخاطبين بذلك هم أهل اللسان فكأنهم خوطبوا بما ليس لهم به علم إلا من قبل الشارع فيتعين الحمل على ما يفيد الحكم الشرعي انتهى (وإنما لامرئ ما نوى) قال الحافظ في الفتح قال القرطبي فيه تحقيق لاشتراط النية والإخلاص في الأعمال فجنح إلى أنها مؤكدة وقال غيره بل تفيد غير ما أفادته الأولى لأن الأولى نبهت على أن العمل يتبع النية بصاحبها فيترتب الحكم على ذلك والثانية أفادت أن العامل لا يحصل له إلا ما نواه وقال ابن دقيق العيد الجملة الثانية تقتضي أن من نوى شيئا يحصل له يعني إذا عمله بشرائطه أو حال دون عمله ما يعذر شرعا بعدم عمله وكل ما لم ينوه لم يحصل له ومراده بقوله ما لم ينوه أي لا خصوصا ولا عموما أما إذا لم ينو شيئا مخصوصا لكن كانت هناك نية عامة تشمله فهذا مما اختلف فيه أنظار العلماء ويتخرج عليه من المسائل ما لا
(٢٣٢)