والثاني أنه لو كان المراد مطلق التصاوير سواء كان للحيوان أو لغيره لزم أن يكون اتخاذ التصاوير كلها جائزا سواء كانت في الستر أو في ما ينصب نصبا أو في البساط والوسادة لأنه مطلق ليس فيه تقييد بكونها في البساط أو غيره وهو كما ترى قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مالك في الموطأ (باب ما جاء في المصورين) قوله: (من صور صورة) كذا أطلق وظاهره التعميم فيتناول صورة ما لا روح فيه لكن الذي فهم ابن عباس من بقية الحديث التخصيص بصورة ذوات الأرواح من قوله كلف أن ينفخ فيها الروح فاستثنى ما لا روح فيه كالشجر (عذبه الله حتى ينفخ فيها) أي في تلك الصورة قال الحافظ استعمال حتى هنا نظير استعمالها في قوله تعالى (حتى يلج الجمل في سم الخياط) وكذا قولهم لا أفعل كذا حتى يشيب الغراب أي لا يمكنه ذلك فيكون معذبا دائما وقد استشكل هذا الوعيد في حق المسلم فإن وعيد القاتل عمدا ينقطع عند أهل السنة مع ورود تخليده بحمل على مدة مديدة وهذا الوعيد أشد منه لأنه مغيا بما لا يمكن وهو نفخ الروح فلا يصح أن يحمل على أن المراد أنه يعذب زمانا طويلا ثم يتلخص والجواب أنه يتعين تأويل الحديث على أن المراد به الزجر الشديد بالوعيد بعقاب الكافر أبلغ في الارتداع وظاهره غير مراد وهذا في حق المعاصي بذلك وأما من فعله مستحلا فلا إشكال فيه قال النووي في شرح مسلم هذه الأحاديث يعني حديث ابن عباس وغيره صريحة في تحريم تصوير الحيوان وأنه غليظ التحريم وأما الشجر ونحوه مما لا روح فيه فلا يحرم صنعته ولا التكسب به وسواء الشجر المثمر أو غيره وهذا مذهب العلماء كافة إلا مجاهدا فإنه جعل الشجر المثمر من المكوره قال القاضي لم يقله أحد غير مجاهد واحتج مجاهد بقوله تعالى ومن أظلم ممن
(٣٥٢)