والذين صححوا الحديث جعلوه مخصصا لعموم تحريم ذي الناب من غير فرق بينهما حتى قالوا: ويحرم أكل كل ذي ناب من السباع إلا الضبع وهذا لا يقع مثله في الشريعة أن يخصص مثلا على مثل من كل وجه من غير فرقان بينهما وبحمد الله إلى ساعتي هذه ما رأيت في الشريعة مسألة واحدة كذلك أعني شريعة التنزيل لا شريعة التأويل ومن تأمل لفظه صلى الله عليه وسلم الكريمة تبين له اندفاع هذا السؤال فإنه إنما حرم ما اشتمل على الوصفين أن يكون له ناب وأن يكون من السباع العادية بطبعها كالأسد والذئب والنمر والفهد وأما الضبع فإنما فيها أحد الوصفين وهو كونها ذات ناب وليست من السباع العادية ولا ريب أن السباع أخص من ذوات الأنياب والسبع إنما حرم لما فيه من القوة السبعية التي تورث المغتذي بها شبهها فإن الغاذي شبيه بالمغذي ولا ريب أن القوة السبعية التي في الذئب والأسد والنمر والفهد ليست في الضبع حتى تجب التسوية بينهما في التحريم ولا تعد الضبع من السباع لغة مرفوعا انتهى ما في الأعلام قلت: في أقوال المحرمين التي نقلها الحافظ ابن القيم خدشات أما قولهم إن حديث الضبع انفرد به عبد الرحمن بن أبي عمار ففيه أنه ثقة ولم يتفرد به قال الحافظ في التلخيص وأعله ابن عبد البر بعبد الرحمن بن أبي عمار فوهم لأنه وثقه أبو زرعة والنسائي ولم يتكلم فيه أخذ ثم إنه لم ينفرد به انتهى وقال في الفتح وقد ورد في حل الضبع أحاديث لا بأس بها انتهى وأما قولهم لفظ الحديث يحتمل معنيين أحدهما أن يكون جابر رفع الأكل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأن يكون إنما رفع إليه كونها صيدا فقط ففيه أن ظاهر الحديث يدل على أن جابرا رضي الله تعالى عنه رفع الأكل وكونها صيدا كليهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويؤيده رواية أحمد بلفظ سألت جابر بن عبد الله عن الضبع فقال حلال فقلت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم وأما قولهم والضبع لا يخرج عن هذا وهذا ففيه أن حديث جابر المذكور صحيح ثابت قابل للاحتجاج فخروج الضبع عن هذا وهذا ظاهر وللفريقين مقالات أخرى في ذكرها طول (باب ما جاء في أكل لحوم الخيل) قوله: (قالا حدثنا سفيان) هو ابن عيينة
(٤١١)