فلم يعدها لان حال الطفولية ليست بحال تكليف وهذه طريقة ابن إسحاق وقيل انما قال ذلك بعد البلوغ لكنه قاله على طريق الاستفهام الذي يقصد به التوبيخ وقيل قاله على طريق الاحتجاج على قومه تنبيها على أن الذي يتغير لا يصلح للربوبية وهذا قول الأكثر أنه قال توبيخا لقومه أو تهكما بهم وهو المعتمد ولهذا لم يعد ذلك في الكذبات وأما اطلاقه الكذب على الأمور الثلاثة فلكونه قال قولا يعتقده السامع كذبا لكنه إذا حقق لم يكن كذبا لأنه من باب المعاريض المحتملة للامرين فليس بكذب محض فقوله اني سقيم يحتمل أن يكون أراد أني سقيم أي سأسقم واسم الفاعل يستعمل بمعنى المستقبل كثيرا ويحتمل أنه أراد اني سقيم بما قدر علي من الموت أو سقيم الحجة على الخروج معكم وحكى النووي عن بعضهم أنه كان تأخذه الحمى في ذلك الوقت وهو بعيد لأنه لو كان كذلك لم يكن كذبا لا تصريحا ولا تعريضا وقوله بل فعله كبيرهم قال القرطبي هذا قاله تمهيدا للاستدلال على أن الأصنام ليست بآلهة وقطعا لقومه في قولهم إنها تضر وتنفع وهذا الاستدلال يتجوز فيه في الشرط المتصل ولهذا أردف قوله بل فعله كبيرهم بقوله فاسألوهم ان كانوا ينطقون قال ابن قتيبة معناه ان كانوا ينطقون فقد فعله كبيرهم هذا فالحاصل أنه مشترط بقوله ان كانوا ينطقون أو انه أسند إليه ذلك لكونه السبب وعن الكسائي انه كان يقف عند قوله بل فعله أي فعله من فعله كائنا من كان ثم يبتدئ كبيرهم هذا وهذا خبر مستقل ثم يقول فاسألوهم إلى آخره ولا يخفى تكلفه وقوله هذه أختي يعتذر عنه بان مراده انها أخته في الاسلام كما سيأتي واضحا قال ابن عقيل دلالة العقل تصرف ظاهر اطلاق الكذب على إبراهيم وذلك أن العقل قطع بان الرسول ينبغي أن يكون موثوقا به ليعلم صدق ما جاء به عن الله ولا ثقة مع تجويز الكذب عليه فكيف مع وجود الكذب منه وانما أطلق عليه ذلك لكونه بصورة الكذب عند السامع وعلى تقديره فلم يصدر ذلك من إبراهيم عليه السلام يعني اطلاق الكذب على ذلك الا في حال شدة الخوف لعلو مقامه والا فالكذب المحض في مثل تلك المقامات يجوز وقد يجب لتحمل أخف الضررين دفعا لأعظمهما وأما تسميته إياها كذبات فلا يريد أنها تذم فان الكذب وإن كان قبيحا مخلا لكنه قد يحسن في مواضع وهذا منها (قوله ثنتين منهن في ذات الله) خصهما بذلك لان قصة سارة وإن كانت أيضا في ذات الله لكن تضمنت حظا لنفسه ونفعا له بخلاف الثنتين الأخيرتين فإنهما في ذات الله محضا وقد وقع في رواية هشام بن حسان المذكورة أن إبراهيم لم يكذب قط الا ثلاث كذبات كل ذلك في ذات الله وفي حديث ابن عباس عند أحمد والله ان جادل بهن الا عن دين الله (قوله بينا هو ذات يوم وسارة) في رواية مسلم وواحدة في شأن سارة فإنه قدم أرض جبار ومعه سارة وكانت أحسن الناس واسم الجبار المذكور عمرو بن امرئ القيس بن سبا وانه كان على مصر ذكره السهيلي وهو قول ابن هشام في التيجان وقيل اسمه صادوق وحكاه ابن قتيبة وكان على الأردن وقيل سنان بن علوان بن عبيد بن عريج ابن عملاق بن لاود بن سام بن نوح حكاه الطبري ويقال انه أخو الضحاك الذي ملك الأقاليم (قوله فقيل له ان هذا رجل) في رواية المستملي ان هنا رجلا وفي كتاب التيجان ان قائل ذلك رجل كان إبراهيم يشتري منه القمح فنم عليه عند الملك وذكر أن من جملة ما قاله للملك اني رأيتها تطحن وهذا هو السبب في اعطاء الملك لها هاجر في آخر الامر وقال إن هذه لا تصلح أن تخدم نفسها (قوله من أحسن
(٢٧٨)