ولكن لهم سحرة كسحرتكم فإذا رأيتم ذلك فأذنوا وإذا ثبت وجودهم فقد اختلف في أصلهم فقيل إن أصلهم من ولد إبليس فمن كان منهم كافرا سمي شيطانا وقيل إن الشياطين خاصة أولاد إبليس ومن عداهم ليسوا من ولده وحديث ابن عباس الآتي في تفسير سورة الجن يقوي انهم نوع واحد من أصل واحد واختلف صنفه فمن كان كافرا سمي شيطانا والا قيل له جني وأما كونهم مكلفين فقال ابن عبد البر الجن عند الجماعة مكلفون وقال عبد الجبار لا نعلم خلافا بين أهل النظر في ذلك الا ما حكى زرقان عن بعض الحشوية أنهم مضطرون إلى أفعالهم وليسوا بمكلفين قال والدليل للجماعة ما في القرآن من ذم الشياطين والتحرز من شرهم وما أعد لهم من العذاب وهذه الخصال لا تكون الا لمن خالف الامر وارتكب النهي مع تمكنه من أن لا يفعل والآيات والأخبار الدالة على ذلك كثيرة جدا وإذا تقرر كونهم مكلفين فقد اختلفوا هل كان فيهم نبي منهم أم لا فروى الطبري من طريق الضحاك بن مزاحم اثبات ذلك قال ومن قال بقول الضحاك احتج بان الله تعالى أخبر أن من الجن والإنس رسلا أرسلوا إليهم فلو جاز أن المراد برسل الجن رسل الانس لجاز عكسه وهو فاسد انتهى وأجاب الجمهور عن ذلك بأن معنى الآية أن رسل الانس رسل من قبل الله إليهم ورسل الجن بثهم الله في الأرض فسمعوا كلام الرسل من الانس وبلغوا قومهم ولهذا قال قائلهم انا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى الآية واحتج ابن حزم بأنه صلى الله عليه وسلم قال وكان النبي يبعث إلى قومه قال وليس الجن من قوم الانس فثبت أنه كان منهم أنبياء إليهم قال ولم يبعث إلى الجن من الانس نبي الا نبينا صلى الله عليه وسلم لعموم بعثته إلى الجن والإنس باتفاق انتهى وقال ابن عبد البر لا يختلفون أنه صلى الله عليه وسلم بعث إلى الإنس والجن وهذا مما فضل به على الأنبياء ونقل عن ابن عباس في قوله تعالى في سورة غافر ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات قال هو رسول الجن وهذا ذكره (3) وقال امام الحرمين في الارشاد في أثناء الكلام مع العيسوية وقد علمنا ضرورة أنه صلى الله عليه وسلم ادعى كونه مبعوثا إلى الثقلين وقال ابن تيمية اتفق على ذلك علماء السلف من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين (قلت) وثبت التصريح بذلك في حديث وكان النبي يبعث إلى قومه وبعثت إلى الإنس والجن فيما أخرجه البزار بلفظ (4) وعن ابن الكلبي كان النبي يبعث إلى الانس فقط وبعث محمد إلى الإنس والجن وإذا تقرر كونهم مكلفين فهم مكلفون بالتوحيد وأركان الاسلام وأما ما عداه من الفروع فاختلف فيه لما ثبت من النهي عن الروث والعظم وانهما زاد الجن وسيأتي في السيرة النبوية حديث أبي هريرة وفي آخره فقلت ما بال الروث والعظم قال هما طعام الجن الحديث فدل على جواز تناولهم للروث وذلك حرام على الانس وكذلك روى أحمد والحاكم من طريق عكرمة عن ابن عباس قال خرج رجل من خيبر فتبعه رجلان وآخر يتلوهما يقول ارجعا حتى ردهما ثم لحقه فقال له ان هذين شيطانان فإذا أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقرأ عليه السلام وأخبره أنا في جمع صدقاتنا ولو كانت تصلح له لبعثنا بها إليه فلما قدم الرجل المدينة أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فنهى عن الخلوة أي عن السفر منفردا واختلف أيضا هل يأكلون ويشربون ويتناكحون أم لا فقيل بالنفي وقيل بمقابله ثم اختلفوا فقيل أكلهم وشربهم تشمم واسترواح لا مضغ ولا بلع وهو مردود بما رواه أبو داود من حديث أمية بن مخشى قال كان رسول الله صلى
(٢٤٥)