الشخص بما لا يعتقده ويضطر إلى احتماله يستلزم الذل (قوله والمسكنة مصدر المسكين فلان أسكن من فلان أحوج منه ولم يذهب إلى السكون) هذا الكلام ثبت في كلام أبي عبيدة في المجاز والقائل ولم يذهب إلى السكون قيل هو الفربري الراوي عن البخاري أراد أن ينبه على أن قول البخاري أسكن من المسكنة لا من السكون وإن كان أصل المادة واحدا ووجه ذكر المسكنة هنا أنه لما فسر الصغار بالذلة وجاء في وصف أهل الكتاب أنهم ضربت عليهم الذلة والمسكنة ناسب ذكر المسكنة عند ذكر الذلة (قوله وما جاء في أخذ الجزية من اليهود والنصارى والمجوس والعجم) هذه بقية الترجمة قيل وعطف العجم على من تقدم ذكره من عطف الخاص على العام وفيه نظر والظاهر أن بينهما خصوصا وعموما وجهيا فاما اليهود والنصارى فهم المراد باهل الكتاب بالاتفاق وأما المجوس فقد ذكر مستنده في الباب وفرق الحنفية فقالوا تؤخذ من مجوس العجم دون مجوس العرب وحكى الطحاوي عنهم تقبل الجزية من أهل الكتاب ومن جميع كفار العجم ولا يقبل من مشركي العرب الا الاسلام أو السيف وعن مالك تقبل من جميع الكفار الا من ارتد وبه قال الأوزاعي وفقهاء الشام وحكى ابن القاسم عنه لا تقبل من قريش وحكى ابن عبد البر الاتفاق على قبولها من المجوس لكن حكى ابن التين عن عبد الملك انها لا تقبل الا من اليهود والنصارى فقط ونقل أيضا الاتفاق على أنه لا يحل نكاح نسائهم ولا أكل ذبائحهم لكن حكى غيره عن أبي ثور حل ذلك قال ابن قدامة هذا خلاف اجماع من تقدمه (قلت) وفيه نظر فقد حكى ابن عبد البر عن سعيد بن المسيب أنه لم يكن يرى بذبيحة المجوسي بأسا إذا أمره المسلم بذبحها وروى ابن أبي شيبة عنه وعن عطاء وطاوس وعمرو بن دينار أنهم لم يكونوا يرون بأسا بالتسري بالمجوسية وقال الشافعي تقبل من أهل الكتاب عربا كانوا أو عجما ويلتحق بهم المجوس في ذلك واحتج بالآية المذكورة فان مفهومها أنها لا تقبل من غير أهل الكتاب وقد أخذها النبي صلى الله عليه وسلم من المجوس فدل على الحاقهم بهم واقتصر عليه وقال أبو عبيد ثبتت الجزية على اليهود والنصارى بالكتاب وعلى المجوس بالسنة واحتج غيره بعموم قوله في حديث بريدة وغيره فإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى الاسلام فان أجابوا والا فالجزية واحتجوا أيضا بان أخذها من المجوس يدل على ترك مفهوم الآية فلما انتفى تخصيص أهل الكتاب بذلك دل على أن لا مفهوم لقوله من أهل الكتاب وأجيب بان المجوس كان لهم كتاب ثم رفع وروى الشافعي وغيره في ذلك حديثا عن علي وسيأتي في هذا الباب ذكره وتعقب بقوله تعالى انما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وأجيب بان المراد مما اطلع عليه القائلون وهم قريش لانهم لم يشتهر عندهم من جميع الطوائف من له كتاب الا اليهود والنصارى وليس في ذلك نفى بقية الكتب المنزلة كالزبور وصحف إبراهيم وغير ذلك (قوله وقال ابن عيينة الخ) وصله عبد الرزاق عنه به وزاد بعد قوله أهل الشام من أهل الكتاب تؤخذ منهم الجزية الخ وأشار بهذا الأثر إلى جواز التفاوت في الجزية وأقل الجزية عند الجمهور دينار لكل سنة وخصه الحنفية بالفقير وأما المتوسط فعليه ديناران وعلى الغني أربعة وهو موافق لاثر مجاهد كما دل عليه حديث عمر وعند الشافعية أن للامام أن يماكس حتى يأخذها منهم وبه قال أحمد وروى أبو عبيد من طريق أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب عن عمر أنه بعث عثمان بن حنيف بوضع الجزية على أهل السواد ثمانية وأربعين وأربعة
(١٨٤)