هذا من عند الله... (1).
فعلى هذه الوجوه كما أنه يحتمل أن يكون المراد من قوله تعالى: * (النبي الأمي) * هو الذي لا يكتب ولا يقرأ أي: لا يحسنهما كما هو مقتضى الوجه الأول والثالث، يحتمل أيضا أن يكون المراد: المنسوب إلى أمة لا يقرأون ولا يكتبون غالبا بحيث يطلق عليهم الأميون كالعرب وقتئذ، أو المنسوب إلى أم القرى، أو المنسوب إلى أمة لم ينزل عليهم الكتاب من ذي قبل، فعلى هذه الوجوه لا تلازم بينها وبين كونه (صلى الله عليه وآله) لا يحسن القراءة والكتابة كما لا يخفى.
وعلى كل حال هذه الآية كسابقتها إن دلت على شئ فإنما تدل على نفي الكتابة والقراءة عنه (صلى الله عليه وآله) قبل نزول الوحي، ولكنها ساكتة عن حاله (صلى الله عليه وآله) بعده.
ولذلك ذهب جمع من علمائنا رضوان الله عليهم: إلى أنه (صلى الله عليه وآله) كان يعلم الكتابة:
قال الشيخ رحمه الله تعالى في المبسوط 8: 120: " والنبي عليه وآله السلام عندنا كان يحسن الكتابة بعد النبوة، وإنما لم يحسنها قبل البعثة " وقال في التبيان:
" ولو أفاد أنه لم يحسن الكتابة قبل الإيحاء لكان دليله يدل على أنه كان يحسنها بعد الإيحاء إليه، ليكون فرقا بين الحالتين " فكأنه يشير إلى دليل ما اختاره.
قال في مفتاح الكرامة 10: 10 في مسألة اشتراط الكتابة في القاضي في جواب من استدل لعدم الاشتراط بأن النبي (صلى الله عليه وآله) كان أميا (كما في المغني 11: 386):
" والنبي معصوم مؤيد بالوحي، وكان عالما بالكتابة بعد البعثة كما صرح به الشيخ وأبو عبد الله الحلي واليوسفي والمصنف في التحرير، وقد نقل ذلك أبو العباس والشهيد في النكت عن الشيخ وسبطه أبي عبد الله الحلي الساكتين عليه... " ثم أشار