فان قال فلم أمروا بحجة واحدة لا أكثر من ذلك؟ قيل له: لان الله تعالى وضع الفرائض على أدنى القوم مرة كما قال الله عز وجل: " فما استيسر من الهدى " يعنى شاة ليسع له القوى والضعيف، وكذلك ساير الفرائض إنما وضعت على أدنى القوم قوة فكان من تلك الفرايض الحج المفروض واحدا، ثم رغب بعد، أهل القوة بقدر طاقتهم.
فان قال: فلم أمروا بالتمتع بالعمرة إلى الحج؟ قيل ذلك تخفيف من ربكم ورحمة لان يسلم الناس من إحرامهم ولا يطول عليهم ذلك، فتداخل عليهم الفساد ولا يكون الحج والعمرة واجبين جميعا فلا تعطل العمرة ولا تبطل، ولا يكون الحج مفردا من العمرة ويكون بينهما فصل تمييز، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيمة ولولا أنه عليه السلام كان ساق الهدي، ولم يكن له أن يحل حتى يبلغ الهدى محله لفعل كما أمر الناس ولذلك قال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت، لفعلت كما أمرتكم ولكني سقت الهدى وليس لسائق الهدى أن يحل حتى يبلغ الهدي محلة فقام إليه رجل (1)، فقال: يا رسول الله نخرج حجاجا ورؤوسنا تقطر من ماء الجنابة فقال إنك لن تؤمن بهذا أبدا.
فان قال: فلم جعل وقتها عشر ذي الحجة قيل: لان الله تعالى أحب أن يعبد بهذه العبادة في أيام التشريق وكان أول ما حجت إليه الملائكة وطافت به في هذا الوقت فجعله سنة، ووقتا إلى يوم القيمة، فاما النبيون آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وعليهم أجمعين وغيرهم من الأنبياء إنما حجوا في هذا الوقت فجعلت سنة في أولادهم إلى يوم القيمة (2).
13 - الطوسي باسناده عن ابن بنت الياس عن الرضا عليه السلام قال: إن الحج والعمرة ينفيان الفقر والذنوب كما ينفى الكير الخبث من الحديد. (3)