أي أنها كتبت بعد وفاة المؤلف بنحو خمسمائة سنة. ومعنى هذا أننا لا نستطيع بأي حال من الأحوال أن نثق تمام الثقة بأنه لم يحدث في الكتاب تحريف أو تغيير بعد أن كتبه المؤلف، ولكننا نطمئن تماما إلى أنه لم يحدث في الخمسة القرون الأخيرة أي تغيير في مادة الكتاب، إلا ما كان من أخطاء النساخ، أو أخطاء نحوية. وبعض هذه الأخطاء لا يمكن تغييره، وبعضها الآخر شخصي لا يمكن تبديله. لأنها كانت اللغة الشائعة في عهد هؤلاء النساخ أولا، وللوهم أنها أصيلة من المشرع النابه ثانيا، وقد تدلنا هذه على أن لغة القانون في هذه الأيام تختلف عن المصطلحات القديمة، ولا نجد خلافا في مادة الكتاب بين نسخه المختلفة، وكل الاختلافات، التي بين النسخ حدثت بسبب عدم فهم النساخ للنص، وأحيانا بسبب الرغبة في توضيح النص، فأضيف إليه كلمات للشرح، أو بتغيير بعض حروف الخفض حتى يستقيم أسلوب المؤلف مع الأساليب العربية، وأعتقد أنه في حالة أو حالتين أدرج في الكتاب كلمات لا يمكن أن تكون من عند المؤلف.
ومهما يكن من شئ فإني سعيد إذ لم أواجه الصعوبات الكثيرة التي واجهها صديقي المرحوم سوكثا نكر في عمله الخالد، وهو نشر (مهابهاراتا). فقد جمع عددا كبيرا من مخطوطات مختلفة التواريخ ومختلفة الروايات، وأخرج من ذلك كله نسخة واحدة حازت إعجاب وتقديم عالم المثقفين. فإني لست على استعداد الآن لان أقوم بمثل هذا المجهود الجبار الذي قام به، ولا بأقل منه، لأني لا أدعى أنى انتهيت من هذا الكتاب، ولاني أريد أن أقدم أقوم وأصدق قانون وضع للفاطميين، وربما نجد مع مرور الأيام نسخا خطية أقدم وأصح من التي عثرنا عليها، وحينئذ ربما نعمل إلى نشر نسخة كاملة للكتاب.
وقبل أن أتقدم في وصف النسخ الخطية التي اعتمدت عليها، أرى أن أعرض لموضوع لفت نظري، وهو أنه من المدهش أن لا نجد نسخة واحدة من هذا الكتاب في مكتبات مصر، إذ الموجود في دار الكتب المصرية هي صورة فوتوغرافية رقم (19665 ب) عن النسخة الخطية التي تحتفظ بها مكتبة مدرسة اللغات الشرقية بلندن رقم (5 2543) وقد اشترت دار الكتب المصرية حديثا نسخة من الجزء الأول فقط، وهناك نسخة أخرى خطية بمكتبة صديقي الدكتور محمد كامل حسين الذي تخصص منذ سنوات عديدة في دراسة الأدب الفاطمي ونشر في ذلك عدة كتب