كما أننا لا نستطيع أن نبرز فكرة صحيحة عن أخلاقه، ولعله وقف نفسه على الدراسات التشريعية والفلسفية، وعلى تأليف هذه الكتب العديدة المتنوعة التي كتبها، ولما تمتع بثقة إمامه المعز لدين الله جعله الامام مستشارا قضائيا له، وساعد إمامه في المسائل الخاصة بالدعوة، فقد وضع أسس القانون الفاطمي، وينظر إليه بحق على أنه المشرع الأكبر للفاطميين. يقول رواة الفاطميين: إنه لم يؤلف شيئا دون الرجوع إلى أئمة عصره، ويعتبر أقوم كتبه " كتاب دعائم الاسلام " أنه من عمل المعز نفسه، وليس من عمل قاضيه الأكبر. ولهذا كان هذا الكتاب هو القانون الرسمي منذ عهد المعز حتى نهاية الدولة الفاطمية، كما يتضح ذلك من رسالة كتبها الحاكم بأمر الله إلى داعيه باليمن، بل لا يزال هذا الكتاب هو الوحيد الذي يسيطر على حياة طائفة البهرة في الهند، وعليه المعول في أحوالهم الشخصية، ومن عجب أن التشريع الاسلامي بالهند الآن يحافظ على شئ من القوانين التي كانت تطبق في مصر في عهد الفاطميين.
وتتضح قيمة هذا الكتاب أيضا من أن عددا كبيرا من المختصرات له ألفت لتكون بين يدي القضاة والطلبة، مثل مختصر الآثار، والينبوع - وقد حفظ جزء من هذا الكتاب وفقد الجزء الآخر، والاقتصار، وعدد كبير من المؤلفات المتأخرة مثل مجموع الفقه، والحواشي، والأرجوزة المختارة وغيرها، وهي كلها مختصرات في الفقه أخذت عن دعائم الاسلام. ويظهر أثر النعمان وقوته في تلك الحقيقة، وهي أن أبناءه اختصوا أيضا بما كان يتمتع به أبوهم من نفوذ، فقد تولى كل من ولديه على والحسين مرتبة قاضى القضاة، ووضعا كتبا في الشريعة، وعلى الجملة فقد كان النعمان مؤسس أسرة محترمة من القضاة الممتازين، كما كان مؤلفا كثير الانتاج، ينسب إليه أربعة وأربعون كتابا. منها ثمانية عشر يحتفظ بها إلى الان، وأربعة يرجح وجودها، واثنان وعشرون فقدت ولم نعثر لها على أثر (5).
نشر النص نشرنا هذه الطبعة عن ثمان نسخ خطية. منها، نسختان قيمتان جدا. وهما:
النسخة التي رمزنا إليها ب (Y) والثانية رمزنا إليها ب (T). وأقدم نسخ كتاب دعائم الاسلام التي عثرنا عليها ترجع إلى القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي)