أو لأنها احتجزت بالحرار الخمس حرة بني سليم وراقم وليلى وشوران والنار. قال الشافعي: ولا أعلم أحدا أجلى أحدا من أهل الذمة من اليمن وقد كانت بها ذمة وليس اليمن بحجاز فلا يجليهم أحد من اليمن ولا بأس أن يصالحهم على مقامهم باليمن. قلت: لا يخفى أن الأحاديث الماضية فيها الامر باخراج من ذكر من أهل الأديان غير دين الاسلام من جزيرة العرب، والحجاز بعض جزيرة العرب وورد في حديث أبي عبيدة الامر بإخراجهم من الحجاز وهو بعض مسمى جزيرة العرب والحكم على بعض مسمياتها بحكم لا يعارض الحكم عليها كلها بذلك الحكم كما قرر في الأصول: أن الحكم على بعض أفراد العام لا يخصص العام، وهذا نظيره.
وليست جزيرة العرب من ألفاظ العموم كما وهم فيه جماعة من العلماء. وغاية ما أفاده حديث أبي عبيدة زيادة التأكيد في إخراجهم من الحجاز لأنه دخل إخراجهم من الحجاز تحت الامر بإخراجهم من جزيرة العرب ثم أفرد بالأمر زيادة تأكيد لا أنه تخصيص أو نسخ وكيف وقد كان آخر كلامه صلى الله عليه وسلم اخرجوا المشركين من جزيرة العرب كما قال ابن عباس: أوصى عند موته. وأخرج البيهقي من حديث مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم أنه سمع عمر بن عبد العزيز يقول: بلغني أنه كان من آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد لا يبقين دينان بأرض العرب. وأما قول الشافعي: إنه لا يعلم أحدا أجلاهم من اليمن. فليس ترك إجلائهم بدليل، فإن أعذار من ترك ذلك كثيرة، وقد ترك أبو بكر رضي الله عنه إجلاء أهل الحجاز مع الاتفاق على وجوب إجلائهم، لشغله بجهاد أهل الردة لم يكن ذلك دليلا على أنهم لا يجلون، بل أجلاهم عمر رضي الله عنه. وأما القول بأنه صلى الله عليه وسلم أقرهم في اليمن بقوله لمعاذ: خذ من كل حالم دينارا أو عدله معافريا فهذا كان قبل أمره صلى الله عليه وسلم بإخراجهم، فإنه كان عند وفاته كما عرفت، فالحق وجوب إجلائه من اليمن لوضوح دليله. وكذا القول بأن تقريرهم في اليمن قد صار إجماعا سكوتيا، لا ينهض على دفع الأحاديث، فإن السكوت من العلماء على أمر وقع من الآحاد أو من خليفة أو غيره من فعل محظور أو ترك واجب لا يدل على جواز ما وقع ولا على جواز ما مترك، فإنه إن كان الواقع فعلا أو تركا لمنكر وسكتوا لم يدل سكوتهم على أنه ليس بمنكر، لما علم من أن مراتب الانكار ثلاث: باليد أو اللسان أو القلب، وانتفاء الانكار باليد واللسان لا يدل على انتفائه بالقلب، وحينئذ فلا يدل سكوته على تقريره لما وقع حتى يقال قد أجمع عليه إجماعا سكوتيا إذ لا يثبت أنه قد أجمع الساكت إلا إذا علم رضاه بالواقع، ولا يعلم ذلك إلا علام الغيوب. وبهذا يعرف بطلان القول بأن الاجماع السكوتي حجة ولا أعلم أحدا قد حرر هذا في رد الاجماع السكوتي مع وضوحه والحمد لله المنعم المتفضل فقد أوضحناه في رسالة مستقلة. فالعجب ممن قال: ومثله قد يفيد القطع وكذلك قول من قال: إنه يحتمل أن حديث الامر بالاخراج كان عند سكوتهم بغير جزية باطل لان الامر بإخراجهم عند وفاته صلى الله عليه وسلم والجزية فرضت في التاسعة من الهجرة عند