شربها). يريد أنه أحب إليه مع جرأة الشاربين لا أنه أحب إليه مطلقا فلا يرد أنه كيف يجعل فعل عمر أحب إليه من فعل النبي (ص) فإن ظاهر الإشارة إلى فعل عمر وهو الثمانون. ولكنه يقال إن ظاهر قوله أمسك بعد الأربعين دال على أنه لم يفعل الأحب إليه. وأجيب عنه بأن في صحيح البخاري من رواية عبد الله بن عدي بن الخيار أن عليا جلد الوليد ثمانين. والقصة واحدة، والذي في البخاري أرجح، وكأنه بعد أن قال وهذا أحب إلي أمر عبد الله بتمام الثمانين. وهذه أولى من الجواب الآخر وهو أنه جلده بسوط له رأسان فضربه أربعين، فكانت الجملة ثمانين فإن هذا ضعيف لعدم مناسبة سياقه له. والروايات عنه صلى الله عليه وسلم أنه جلد في الخمر أربعين كثيرة، إلا أن في ألفاظها نحو أربعين، وفي بعضها بالنعال، فكأنه فهم الصحابة أن ذلك يتقدر بنحو أربعين جلدة.
واختلف العلماء في ذلك: فذهبت الهادوية وأبو حنيفة ومالك وأحمد وأحد قولي الشافعي أنه يجب الحد على السكران ثمانين جلدة، قالوا: لقيام الاجماع عليه في عهد عمر فإنه لم ينكر عليه أحد. وذهب الشافعي في المشهور عنه وداود: أنه أربعون لأنه الذي روي عنه صلى الله عليه وسلم فعله، ولأنه الذي استقر عليه الامر في خلافة أبي بكر رضي الله عنه. ومن تتبع ما في الروايات واختلافها علم أن الأحوط الأربعون ولا يزاد عليها. وفي هذا الحديث (أن رجلا شهد على الوليد أنه رآه يتقيأ الخمر فقال عثمان: إنه لم يتقيأها حتى شربها) وفي مسلم أنه شهد عليه رجلان أحدهما حمران أنه شرب الخمر وشهد عليه آخر أنه رآه يتقيؤها. قال النووي في شرح مسلم: هذا دليل لمالك وموافقيه في أن من تقيأ الخمر يحد حد شارب الخمر، ومذهبنا أنه لا يحد بمجرد ذلك لاحتمال أنه شربها جاهلا كونها خمرا أو مكرها عليه وغير ذلك من الاعذار المسقطة للحدود. ودليل مالك هنا قوي لان الصحابة اتفقوا على جلد الوليد بن عقبة المذكور في هذا الحديث ا ه. قلت: وبمثل ما قاله مالك قالت الهادوية، ثم لا يخفى أن اقتصار المصنف على الشاهد بالقئ وحده تقصير لإيهامه أنه جلد الوليد بشهادة واحد على التقيؤ.
3 - (وعن معاوية رضي الله عنه عن النبي (ص) أنه قال في شارب الخمر: إذا شرب فاجلدوه ثم إذا شرب الثانية فاجلده، ثم إذا شرب الثالثة فاجلدوه ثم إذا شرب الرابعة فاضربوا عنقه أخرجه أحمد - وهذا لفظه - والأربعة). اختلفت الروايات في قتله: هل يقتل إن شرب الرابعة أو إن شرب الخامسة؟. فأخرج أبو داود من رواية أبان القصار وذكر الجلد ثلاث مرات بعد الأولى ثم قال: فإن شربوا فاقتلوهم.
وأخرج من حديث ابن عمر من رواية نافع عنه أنه قال: وأحسبه قال في الخامسة: فإن شربها فاقتلوه. وإلى قتله فيها ذهب الظاهرية واستمر عليه ابن حزم واحتج له، وادعى عدم الاجماع على نسخه. والجمهور على أنه منسوخ ولم يذكروا ناسخا صريحا، إلا ما يأتي من رواية أبي داود عن الزهري: أنه صلى الله عليه وسلم ترك القتل في الرابعة وقد يقال: القول أقوى