كان قد سبق فيه حق لاحد بقعوده فيه من مصل أو غيره ثم فارقه لأي حاجة ثم عاد وقد قعد فيه أحد أن له أن يقيمه منه. وإلى هذا ذهب الهادوية والشافعية وقالوا: لا فرق في المسجد بين أن يقوم ويترك فيه سجادة أو نحوها أو لا، فإنه أحق به، قالوا: وإنما يكون أحق به في تلك الصلاة وحدها دون غيرها. والحديث يشمل من قعد في موضع مخصوص لتجارة أو حرفة أو غيرهما، قالوا: وكذلك من اعتاد في المسجد محلا يدرس فيه فهو أحق به، قال المهدي:
إلى العشي. وقال الغزالي: إلى الأبد ما لم يضرب (عنه). وأما إذا قام القاعد من محله لغيره فظاهر الحديث جوازه، وروي عن ابن عمر أنه إذا قام له الرجل من مجلسه لا يقعد فيه، وحمل على أنه تركه تورعا لجواز أنه قام له حياء من غير طيبة نفس.
6 - (وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إذا أكل أحدكم طعاما فلا يمسح يده حتى يلعقها) بنفسه (أو يلعقها) غيره. الأول بفتح حرف المضارعة من لعق، والثاني بضمه من ألعق (متفق عليه). والحديث دليل على عدم تعيين غسل اليد من الطعام وأنه يجزئ مسحها، وفيه دليل على أنه يجب لعق اليد أو العاقها الغير وعلله في الحديث بأنه لا يدري في أي طعامه البركة، كما أخرجه مسلم أنه (ص) أمر بلعق الأصابع والصحفة، وقال: إنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة وكذلك أمر صلى الله عليه وسلم بالتقاط اللقمة ومسحها وأكلها، كما في رواية لمسلم أيضا بلفظ إذا وقعت لقمة أحدكم فليمط ما كان بها من أذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان. وهذه الأمور من اللعق والالعاق ولعق الصحفة وأكل ما يسقط، ظاهر الأوامر وجوبها. وإلى هذا ذهب أبو محمد ابن حزم وقال: إنها فرض. والبركة: هي النماء والزيادة وثبوت الخير، والمراد هنا: ما يحصل به التغدية وتسلم عاقبته من أذى ويقوي على طاعة الله وغير ذلك. وهذه البركة قد تكون في لعق يده أو لعق الصحفة أو أكل ما يسقط من لقمة، وإن كان علل أكل الساقط بأنه لا يدعها للشيطان. والمراد من قوله: يده هو أصابع يده الثلاث كما ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يأكل بثلاث أصابع، ولا يزيد الرابعة والخامسة إلا إذا احتاجهما بأن يكون الطعام غير مشتد ونحوه. وقد أخرج سعيد بن منصور: أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل أكل بخمس. وهو مرسل، وفيه دلالة على أنه لا بأس بالعاق الغير أصابعه من زوجة أو خادم وولد وغيرهم، فإن تنجست اللقمة الساقطة فيزيل ما فيها من نجاسة إن أمكن وإلا أطعمها حيوانا ولا يدعها للشيطان، كما ذكره النووي بناء على جواز إطعام المتنجس وعليه إجماع الأمة فعلا خلفا عن سلف وتقدم الكلام في ذلك.