نتحفظ حياله دون أدنى شك، نظرا لإمكانية أن تكون العلة المستكشفة جزءا من " علل " أخرى مجهولة لدينا، فضلا عن إمكانية ألا تكون " العلة " المستكشفة صائبة أساسا.. وفي تصورنا أن حرص المؤلف على تعدد الأدلة كما سنرى لاحقا يقتاده إلى عرض التعليل ضمن سائر الأدلة - التي يعرضها، فهو في النموذجين السابقين أورد نصوصا للاتمام في الصلاة سفرا بالنسبة إلى الأصناف المشار إليها والأماكن الأربعة ثم أضاف إليها عبارة " ولأن " حيث توحي هذه العبارة بأن دليلا آخر أضيف إلى النص الشرعي، حتى أننا لنجده يعدد " الأدلة " حتى في صعيد التعليل ذاته، مثل ممارسته التالية بالنسبة إلى جواز تقديم زكاة الفطر قبل العيد:
(لنا: أن سبب الصدقة: الصوم والفطر معا، فإذا وجد أحد السببين، جاز التقديم كزكاة المال، ولأن في تقديمه مسارعة إلى الثواب والمغفرة، فيكون مأمورا به، ولأن خبر حال الفقراء على القطع، ومع التأخير على الشك لجواز موته أو فقره، فيكون مشروعا. ويؤيده: ما رواه الشيخ في الصحيح. وهو في سعة أن يعطيها في أول يوم يدخل في شهر رمضان.
ولأن جواز التقديم يوما ويومين يقتضي جوازه من أول الشهر، إذ سببه: الصوم، موجود هنا، وأما تقديمها على شهر رمضان فغير جائز، عملا بالأصل السالم عن معارضته سبب الصوم، ولأن تقديمها قبل الشهر تقديم للزكاة قبل السببين، فيكون ممنوعا، كتقديم زكاة المال قبل الحول والنصاب) إن هذه الممارسة تكشف لنا عن جملة أمور منها: تعدد الأدلة العقلية حيث أنهاها إلى ثلاثة أدلة: سبب الصوم المسارعة إلى الثواب، اليقين بالفقر أول الشهر مقابل الشك في آخره ومنها: عرضه لأقوال الفقهاء " الخاصة والعامة " حيث نقل عن الخاصة تجويزهم ذلك، ونقل عن ابن إدريس عدم الجواز لدليل عقلي هو أن التقديم إبراء للذمة قبل شغلها وهو باطل، ونقل عن العامة تجويزهم ذلك قبل يومين وبعد انتصاف الشهر، وأول الحول. من هنا نحتمل أن عرض المؤلف لأدلته العقلية من جانب وتقديمها على النص من جانب آخر، نابع من كونه يقوم بعملية " مقارنة " حيث تفرض عليه المقارنة أن يتعامل مع أدلة المخالفين " الخاصة والعامة " ما داموا جميعا قد استندوا إلى دليل عقلي في جواز التقديم، حيث استند ابن إدريس - وهو من الخاصة - إلى دليل عدم البراءة،