واستندت العامة إلى " أقيسة " استقرائية مثل جواز الخروج من المزدلفة قبل منتصف الليل، ومثل المقايسة بزكاة المال بعد وجود النصاب. إلخ، وحينئذ يتعين على المؤلف أن يعرض دليله أو رده، مقرونا بما هو " عقلي " أو " استقرائي " أيضا: كما لحظنا. لذلك وجدناه يضيف دليلا رابعا - بعد إيراده للرواية - يقول فيه: (ولأن جواز التقديم يوما يومين يقتضي جوازه من أول الشهر، إذ سببه الصوم، موجود). وهذا الدليل، جاء في سياق عرضه للا تجاه المجوز لتقديم الزكاة قبل يومين، كما هو واضح. لذلك، نجده أيضا " في مرحلة رده على الآخرين يستند إلى الدليل العقلي نفسه في رده على أبي حنيفة المجوز تقديمها أول الحول، حيث رده قائلا: (والفرق بين زكاة المال وزكاة الفطرة، لأن السبب هناك:
النصاب، وقد حصل في الحول، فجاز إخراجها فيه، وزكاة الفطر سببها: الفطر بدليل إضافتها إليه، ولأن المقصود إغناء الفقراء هناك في الحول، وإغناؤهم هنا في هذا اليوم) إذن: المسوغ للتعامل مع الأدلة العقلية أو الاستقرائية، يظل نابعا من طبيعة الموقف الذي يفرض على المؤلف مثل هذا التعامل.
بيد أن هذا المسوغ قد يفقد دلالته حينما " يتعارض " مع النص، أو حينما يبتعد " تعليله " عن جوهر النص أو روح التشريح أساسا. وهذا ما يمكن ملاحظته مثلا في ذهابه إلى جواز الجمع بين " الجزية " - بالنسبة إلى أهل الذمة - بين وضعها على " الرؤس " مضافا إلى " الأرض "، حيث علل ذلك بقوله: (لنا: أن الجزية غير مقدرة في طرفي الزيادة والنقصان. بل هي موكولة إلى نظر الإمام، فجاز أن يأخذ من أرضيهم ورؤسهم، كما يجوز له أن يضعف الجزية التي على رؤوسهم في الحول الثاني، ولأن ذلك أثبت للصغار.
فالمؤلف هنا " يماثل " (8) بين عدم تقدير الجزية - حيث وردت نصوص في ذلك - وبين الجمع بين الرأس والأرض " حيث لا علاقة بينهما كما هو واضح " مضافا إلى أن هناك نصوصا " ظاهرة " في التخيير لا الجمع، مثل قوله " ع ": (ليس للإمام أكثر من الجزية: إن شاء الإمام وضع على رؤوسهم - وليس على أموالهم شئ، وإن شاء ففي أموالهم - وليس على