وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: لا يطهر إلا إذا نحي عن رأس البئر، لأن الفصل بين ماء البئر وماء الدلو واجب [لا الفصل (1)] بين الظرفين، وماء البئر متصل بالدلو حكما، لأنه لا ينجس الماء بما يتقاطر منه، فحكم المتقاطر حكم ماء البئر، فلا يقع الانفصال من كل وجه، بخلاف ما إذا نحي عن رأس البئر، لأنه انفصال حقيقي، ولهذا لو عاد شئ من ماء الدلو إليه، وجب النزح ثانيا. (2) التاسع: إذا وجدت الجيفة في البئر، فإن غيرت الماء، حكم بنجاسته من حين الوقوف على التغير، وإلا فلا، سواء وجدت منتفخة أو لا. هذا على رأينا، وأما القائلون بالتنجيس، فحكموا به من حين الوجدان (3)، واختيار أبي يوسف ومحمد (4)، لأن النجاسة في الحال متيقنة، وفي الماضي مشكوك فيه (5)، لاحتمال موتها خارجا وانتفاخها ثم سقوطها، فلا تثبت النجاسة في الماضي بالشك.
وعند أبي حنيفة إن وجدت منتفخة حكم بنجاستها منذ ثلاثة أيام ولياليها، وإن كانت غير منتفخة منذ يوم وليلة (6)، لأن الموت حادث لا بد له من سبب ظاهر، والوقوع في الماء سبب صالح، فيضاف إليه للمناسبة، ومن المعلوم أنه لا يموت بالسقوط في زمان قصير، بل يمضي مدة كثيرة ونهايتها غير مضبوطة، فقدرنا بيوم وليلة الذي هو أدنى الكثرة.
والانتفاخ يفتقر إلى زمان أكثر من زمان الموت، وهو غير ممكن أن يوقف عليه، فقدرناه بثلاثة أيام ولياليها. وما ذكره أبو حنيفة ليس بجيد، لأن الوصف الذي ذكره مناسبا، مرسل غريب، فإنه لم يشهد به أصل من الأصول بالاعتبار بطريق من الطرق، فكان مرسلا، ولم يعتبر جنسه البعيد في جنس الحكم، فكان غريبا، فيكون مردودا اتفاقا.