ويلاحظ أيضا: أن هناك صياغة أخرى يستخدمها المؤلف في مرحلة " النقض " لأدلته، ألا وهي: تطوع المؤلف بإيراد الإشكال على دليله دون أن يفترضه من الآخرين، وهذا يتم - غالبا - عند تقديمه للأدلة الروائية: من حيث انطواؤها على اعتراضات في السند أو الدلالة حينا. ويمكن ملاحظة ذلك في ممارسات متنوعة من نحو تقديمه جملة من الروايات التي ساقها للتدليل على وجوب الموالاة في أفعال الوضوء، حيث استشهد برواية لأبي بصير، وعقب قائلا: (وفي طريقها سماعة وفيه قول).
واستشهد برواية أخرى وعقب عليها قائلا:
(وفي طريقها معلى بن محمد، وهو ضعيف).
فالمؤلف في أمثله هذه الممارسات، يتطوع بإيراد الإشكال على أدلته، حيث ينسج حولها صمتا حينا، كما هو طابع النصوص المتقدمة التي لم يرد عليها. ولكنه يرد على ذلك حينا آخر، كما هو ملاحظ في تعقيبه على رواية ساقها للتدليل على أن الواجب في غسل الأعضاء - بالنسبة للوضوء - هو: المرة الواحدة، حيث أشار إلى أن في طريقها سهل بن زياد، وهو ضعيف. ولكنه يرد على هذا الإشكال بأن الرواية قد تأيدت بروايات صحيحة تحوم على نفس الموضوع.
لا شك، أن تقديم الرواية الضعيفة في سياق الروايات المعتبرة يعد نوعا من " التزكية " لها، إلا أن الملاحظ أن المؤلف نجده - بعض الأحيان - يورد الرواية الضعيفة في سياق خاص هو كونها " مقوية " لأدلته لا أنها " تستدل " بها وهذا ما نلحظه مثلا: في تعقيبه على رواية ضعيفة أوردها للتدليل على عدم نجاسة ما لا نفس له سائلة، حيث قال: (وهذه مقوية، لا حجة).
هنا ينبغي أن نشير إلى أن تقوية الاستدلال برواية ضعيفة لا يمكن الاقتناع به، لبداهة أن ما هو " ضعيف " لا قابلية له على " التقوية "، بل العكس هو الصحيح، أي: أن الرواية الضعيفة هي ما تتقوى بالروايات المعتبرة - كما لا حظنا ذلك في نص أسبق.
وأيا كان، يعنينا أن نشير إلى أن المؤلف في المرحلة الثالثة من منهجه المقارن يلتزم