والعمق والشمول، فيما رد على الدليل الأول " وهو الروايتان القاضيتان بالنزح " حيث علل المخالف ذلك بقوله (لو كانت طاهرة لكان تعليل التطهير بالنزح تعليلا لحكم سابق بعلة لاحقة رده على ذلك بخمسة وجوه اعتمد فيها على ذائقته الفقهية المتميزة من جانب مثل عدم الملازمة بين النزح والنجاسة ومثل إمكان حمل ذلك على النظافة وليس الطهارة التي تقابلها النجاسة، ومثل تفسيره لعبارة " الإفساد لماء البئر بمعنى: عدم الانتفاع به، وليس نجاسته. إلخ " مضافا - من جانب آخر إلى محاولة تأليفه بين الروايات المتضاربة، حيث أن عبارات من نحو: (ماء البئر واسع لا يفسده شئ إلا أن يتغير) و (لا بأس) جوابا لمن سأله " ع " عن وقوع بعض النجاسات في البئر، و (لا تعاد الصلاة ما وقع في البئر إلا أن ينتن) أمثلة هذه العبارات (نص) في عدم انفعال ماء البئر بالنجاسة، لذلك، فإن حمله الروايات الآمرة بالنزح على " التغير " وجمع بين الأدلة يكون بذلك قد استخدم ذائقته الفقهية في تفسير النص أو تأويله " أي: الجمع " بالنحو المطلوب هذا فضالا عن اعتماد المؤلف بعض الأدلة العقلية، في " الملازمات " التي نقضها. وفضلا عن اعتماده العنصر الاستقرائي في التماس أحكام أو أقوال " مماثلة " للمسألة المبحوث عنها، مثل استشهاده بالماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر. إلخ، حيث تكشف هذه المستويات من " الرد " عن مدى الجدية ومدى الحرص على تفصيل الممارسة التي ينتهجها في هذا الميدان.
طبيعيا، من الممكن أن تثار بعض الملاحظات على الرد المذكور للمؤلف، ومنها مثلا ذهابه إلى أن عمل الأكثر ليس بحجة " وهو موقف صائب دون أدنى شك، بدليل، أنه خالف المشهور في انفعال ماء البئر، مع ملاحظة أن المؤلف يعمل بالمشهور في غالبية ممارساته - كما سنرى لاحقا إلا أن رده على المخالف بعبارة (فيكف يدعي عمل الأكثر هنا مع أن الشيخ وابن أبي عقيل ذهبا إلى ما نقلناه). هذا الرد لا يمكن التسليم به من حيث نفيه صفة " الشهرة " لمجرد مخالفة فقيهين، لوضوح أن مخالفة الواحد أو الاثنين لا تقدح في تحقق الشهرة، وإلا كان القول " إجماعا " وليس " شهرة " كما هو بين ولا أدل على ذلك أن المؤلف قد صدر ممارسته لهذه المسألة بعبارة: (المشهور عند أصحابنا: تنجس البئر بملاقاة النجاسة.) حيث أقر بتحقق " الشهرة " في هذا القول، وحينئذ، كيف ينفيه " في رده