يكن هذا عن اجتماع يقع به التواطؤ على ما أخبروا به، وكل واحد منهم يقول: قد قتل فلان فلانا، فهذا لوث لأنه إذا قبل قولهم في الإخبار وقع الخبر منهم على وجه متجرد عن التواطؤ عليه غلب على الظن صدق قولهم، وكان لوثا، هذا إذا لم يبلغوا حدا يوجب خبرهم العلم، فإن بلغوا ذلك خرج عن حد غلبة الظن.
وأما إن كانوا لا حكم لقولهم في الشرع كالصبيان والكفار فأقبلوا متفرقين من كل ناحية على ما صورناه في المسألة قبلها قال قوم: لا يكون لوثا لأنه لا حكم لقولهم في الشرع، وقال آخرون: - وهو الأصح عندهم - أنه لوث لأنه يوجب غلبة الظن فإنهم أتوا به متفرقين من غير اجتماع ولا تواطئ، فكان هذا أكثر من تفرق جماعة عن قتيل، وعندنا إن كان هؤلاء بلغوا حد التواتر ولا يجوز منهم التواطؤ ولا اتفاق الكذب، فإن خبرهم يوجب العلم ويخرج من باب الظن، فأما إن لم يبلغوا ذلك الحد فلا حكم لقولهم أصلا.
ومتى حصل اللوث على جماعة مثل أن وجد القتيل في قرية أو محلة أو دار وهناك لوث نظرت: فإن عين الولي واحدا منهم فقال: هذا قتله، كان له أن يقسم عليه، وهكذا لو ادعي على جماعة يتأتى منهم القتل، فإن ادعي على جماعة لا يتأتى منهم الاشتراك في قتل واحد مثل أن ادعي على أهل بغداد فقال: كلهم قتلوه، ونحو هذا قلنا: هذا محال لا يسمع منك، فإن رجعت إلى عدد يصح منهم الاشتراك في قتله وإلا فانصرف لأن النبي عليه السلام قال: يحلف خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته وإنما قصد عليه السلام أن يبين أنه لا تقبل الدعوى إلا على من يصح منه قتله كالواحد، وما في معناه، فدل على ما قلناه.
كل موضع حصل اللوث على ما فسرناه، فللولي أن يقسم سواء كان بالقتيل أثر القتل أو لم يكن أثر القتل، وقال قوم: إن كان به أثر القتل مثل هذا، وإن لم يكن أثر فلا قسامة، بلى كان قد خرج الدم من أنفه فلا قسامة لأنه يخرج من خنق ويظهر من غير قتل، فإن خرج من أذنه فهذا مقتول لأنه لا يخرج من أذنه إلا بخنق شديد، وسبب عظيم يخرج من أذنه، وهذا أقوى.