قال: وإن لحق المرتد بدار الحرب فلم يقدر عليه الإمام فلا ضمان عليه، إذا قتله، والأول أقوى عندنا لأن الإصابة صادفت مسلما محقون الدم، فكان عليه الضمان كما لو أرسله إلى مرتد فأصابه وهو مسلم.
فقد حصل من هذه الجملة في القطع والسراية: أنه إذا قطع يد نصراني ثم أسلم ومات أو يد عبد فأعتق ثم مات، لا قود عليه وعليه الدية، وإن قطع يد حربي أو مرتد ثم أسلم ثم مات، لا قود ولا دية، وحصل في الرمي إذا رمى في هذه المسائل الأربع أن لا قود فيها، وفيها الدية اعتبارا بحال الإصابة، فاعتبرنا القصاص بحال الجناية، والمال بحال الإصابة.
إذا قطع مسلم يد مسلم فارتد المقطوع ثم سرى إلى نفسه فمات، فيه مسألتان: إحديهما إذا ارتد ثم أسلم ثم مات مسلما، والثانية إذا ارتد ثم مات في الردة.
فالأولى: إذا ارتد ثم أسلم ثم مات مسلما: فالكلام فيها في ثلاثة أحكام:
الكفارة والقود، والدية.
فأما الكفارة فواجبة بكل حال سواء مكث مرتدا زمان سرت فيه الجناية إلى نفسه أو لم يمكث، لأن الكفارة تجب بقتل نفس لها حرمة، وقد قتل نفسا لها حرمة، لأن الحرمة موجودة في الطرفين حال الجناية وحال السراية، فأوجبنا عليه الكفارة.
وأما القود فلا يخلو المقطوع من أحد أمرين، إما أن يقيم على الردة مدة يسري فيها الجراح أو لا يقيم، فإن أقام مدة يسري الجرح فيها ثم عاد إلى الإسلام فلا قود، لأن القصاص إنما يجب بالقطع وكل السراية، بدلالة أنه لو قطع مسلم يد مسلم فارتد المقطوع ومات على ردته لا قود عليه، ولو قطع يد مرتد فأسلم المرتد ومات مسلما لا قود فيه، فإذا كان وجوبه بالقطع وكل السراية، فإن بعض السراية هاهنا هدر، لأنها حال الردة، فقد مات من أمرين مضمون وغير مضمون، فسقط القود، لأن القصاص لا يتبعض.