وجبت عن عمد محض.
فأما إذا خيط جرحه بالإبرة لم يخل من أحد أمرين: إما أن يخاط في لحم ميت أو حي، فإن كان في لحم ميت فوجود الخياطة وعدمها سواء، فإنه لا سراية منه بحال، والقاتل الجارح، والولي بالخيار بين القصاص والعفو على كل الدية، وإن خيط في لحم حي لم يخل من ثلاثة أحوال: إما أن يكون المجروح هو الذي خاط نفسه، أو بعض العوام، أو الإمام.
فإن كان هو الذي خاط نفسه أو غيره بأمره الباب واحد، فإذا سرى إلى نفسه فمات فالحكم فيه كالقسم الثالث من السم، فمنهم من قال: ليس على الجارح القود، ومنهم من قال: عليه القود كما لو شارك سبعا، وقد مضى قولنا أنه لا يسقط عنه القود.
فإن كان الذي خاطه بعض العوام، كأنه حضر بعض العوام وقهره فخاطه، فالأول جارح، والخياط جارح، فإذا سرى إلى نفسه فمات فهو كما لو جرحاه معا سواء، فسرى إلى نفسه فمات فعليهما القود معا، والولي بالخيار بين القتل والعفو على حال في غير موضع.
وإن كان الذي خاطه له هو الإمام، لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون المجروح مولى عليه أو غير مولى عليه، فإن كان غير مولى عليه فإن كان بالغا عاقلا فالإمام عندهم كأحد العوام، وعليهما القود، وإن كان المجروح مولى عليه كالصبي والمجنون فخاطه فمات، فمنهم من قال: على الإمام القود والجارح معا، ومنهم من قال: لا قود عليهما، لأنه إذا سقط عن الإمام سقط عن الجارح، وعلى كل واحد منهما نصف الدية مغلظة، ومن قال: يجب على الإمام نصف الدية، قال بعضهم: يجب في بيت المال، وقال آخرون: على عاقلته، وخطأ الإمام وعمد الخطأ سواء.
وعندنا لا يتقدر ذلك في الإمام لأنه لا يفعل إلا ما له فعله لعصمته، فإن فعل ما له فعله من مصلحته، فأدى ذلك إلى موته كانت الدية في بيت المال.