لأن الأصل براءة الذمة.
وأما إذا ألقاه في الماء فغرق وهلك نظرت، فإن ألقاه في لجة البحر فعليه القود سواء كان يحسن السباحة أو لا يحسنها، لأن البحر مهلك على كل حال، وإن كان بقرب الساحل، فإن لم يكن يحسن السباحة أو كان يحسنها غير أنه كان مكتوفا لم يمكنه الخروج منه، فعليه القود، لأنه يقتل غالبا، وإن كان يحسن السباحة ولم يكن مكتوفا وعلم من حاله أنه أمكنه الخروج فلم يفعل حتى هلك فلا قود، وفي الدية قولان مثل النار سواء.
فأما إن طرحه في الماء بقرب الساحل وكان ممن يمكنه الخروج منه أو ممن يقدر على الخروج فلم يخرج حتى ابتلعه الحوت، فلا قود وفيه الدية لأنه السبب في هلاك نفسه، وإن ألقاه في لجة البحر فقبل وصوله إلى الماء التقمه الحوت، قال قوم: عليه القود لأنه أهلكه بنفس الإلقاء، بدليل أنه لو لم يأخذه الحوت كان هلاكه فيه، فكان الحوت أتلفه بعد أن حصل منه ما فيه هلاكه، كما لو قتله ثم ألقاه، وقال آخرون: لا قود، لأنه ما هلك بنفس الإلقاء ولا قصد هلاكه به، وإنما هلك بشئ آخر، كما لو رمى به من شاهق فاستقبله غيره بالسيف فقده بنصفين، فإن القود على الثاني لأن هلاكه به، ولا قود على الدافع، والقولان قويان غير أن الأول أقواهما.
إذا جنى عليه رجل جناية صيره بها في حكم المذبوح، ثم وجأه الآخر مثل أن قطع الأول حلقومه ومريئه ثم جاءه الآخر فقده باثنين، أو أبان الأول حشوته وأمعاءه ثم ذبحه الآخر، فالأول قاتل عليه القود، والثاني ليس بقاتل ولا شئ عليه، غير التعزير لأن الأول صيره في حكم المذبوح، لأن الحياة التي فيه غير مستقرة، والثاني عليه التعزير لأنه أتلفه ميتا، ولو قلنا يلزمه دية الميت لكان قويا، ولأن الفعل الأول سقط حكم جنايته بدليل أنه لا تصح توبته ولا وصيته ولا إسلامه ولا كفره فصار كالمذبوح ولم يكن الثاني قاتلا، هذا إذا صيره الأول في حكم المذبوح.