فمات في الحبس فلا ضمان، صغيرا كان أو كبيرا، وقال بعضهم: إن كان كبيرا مثل هذا، وكان صغيرا فإن مات حتف أنفه فلا ضمان، وإن مات بسبب مثل أن لدغته حية أو عقرب أو قتله سبع أو وقع عليه حائط أو سقف فقتله فعليه الضمان، وهذا الذي يقتضيه مذهبنا وأخبارنا.
فأما إن منعه الطعام أو الشراب أو هما أو طين عليه البيت فمات، فإن مات في مدة يموت فيها غالبا فعليه القود، وإن كان لا يموت فيها غالبا فلا قود، وفيه الدية، وهذا يختلف باختلاف حال الإنسان والزمان، فإن كان جائعا أو عطشانا والزمان شديد الحر، مات في الزمان القليل، وإن كان شبعان وريان والزمان معتدل أو شديد البرد لم يمت في الزمان الطويل، فيعتبر هذا فيه، فإن كان في مدة يموت مثله فيها فعليه القود، وإن كان لا يموت غالبا فيها فعليه الدية.
وإذا طرحه في النار نظرت فإن أسعر له نارا في حفرة حتى إذا تجحمت ألقاه فيها فلم يمكنه الخروج منها حتى مات، فعليه القود، وإن كانت النار على بسيط الأرض فمات، فإن لم يمكنه التخلص منها مثل أن كان ضعيف الخلقة أو كبيرا أو مكتوفا أو غير مكتوف لكن النار قهرته ومنعته من الخروج فعليه القود، وأما إن أمكنه الخروج منها فلم يفعل حتى مات، - وإنما يعلم هذا منه بأن يقول: أنا قادر على الخروج ولست أخرج - أو كان بقرب البئر ومعلوم أنه لو انقلب حصل خارجا عنها، فلا قود، لأنه أعان على قتل نفسه.
وأما الدية قال قوم: فيه الدية لأنه هو الجاني بإلقائه في النار، وترك التخلص مع القدرة لا يسقط الضمان عن الجاني، كما لو جرحه فترك المجروح مداواة نفسه حتى مات فإنه ضامن، وقال آخرون: لا دية وإنما عليه ضمان ما شيطته النار، لأنه لما قدر على الخلاص فلم يفعل كان هو الذي أهلك نفسه وأتلفها، فهو كما لو خرج منها ثم عاد فيها، ويفارق الجراح إذا لم يداو نفسه لأن السراية عنه حصلت، ولم يزدد ذلك بترك التداوي، وليس كذلك النار لأنها تستأنف إحراقا وإتلافا غير الأول، فلهذا لم يكن عليه الدية، وهذا أقوى