وإن كانت بالعكس من هذا، فجرحه الأول جرحا تبقى معه حياة مستقرة ثم وجاه الآخر، مثل أن جرحه الأول في حلقه، فوسطه الثاني، أو شق الأول بطنه ثم ذبحه الثاني، فلا فصل بين أن يكون جرح الأول يكون معه حياة أو لا تكون هناك حياة مستقرة وحركة غير حركة المذبوح، فالباب واحد، فالأول جارح والثاني قاتل، بعكس ما قلناه، ولأن فيه حياة مستقرة عقيب جرح الأول بدليل أن حركته تزيد على حركة المذبوح، فإذا قتله الثاني فقد قتل من فيه حياة مستقرة فكان هو القاتل، كما لو قتل عليلا قد أشرف على الموت وفيه حياة مستقرة، ولأنه أحكام الحياة ثابتة فيه إجماعا من الوصية وغيرها، - ويروى أن عمر بن الخطاب لما جرح كان فيه جرحان، فدخل الطبيب فسقاه لبنا فخرج من الجرح، فقال: أعهد إلى الناس، فعهد وأوصى وأجمعوا على تنفيذ عهده ووصاياه -.
فإذا كان حكم الحياة قائما فيه كان القاتل هو الثاني، وإذا ثبت أن القاتل هو الثاني والأول هو الجارح، كان لكل واحد منهما حكم نفسه، أما الأول فالولي ينظر في جراحة، فإن كان لا قود فيه كان له المال وكان في الحياة بالخيار بين العفو والقتل، وإن كان جرح الأول فيه القود مثل أن قطع يده ثم قتله الثاني، كان في الأول بالخيار بين القطع والعفو على مال، وهكذا في الثاني بالخيار بين القتل والعفو على مال، فيأخذ كل الدية.
وهكذا حكم الحيوان في إباحة أكله، فإن قطع الذئب الحلقوم والمرئ أو شق جوفها وأبان حشوتها فأدركها صاحبها وفيه حياة، لم يحل له ذبحها وأكلها لأن حركتها حركة المذبوح، فهي كالميتة، وإن كان الذئب إنما عقرها عقرا لم يصيرها في حكم المذبوح، مثل أن شق جوفها أو حلقها فأدركها صاحبها وفيها حياة مستقرة فذبحها جاز أكلها، لأن فيها حياة مستقرة.
إذا جرح رجلا جرحا، ثم جاء آخر فوجأه بذبح أو بغيره، لم يخل من أحد أمرين، إما أن يذبحه الثاني بعد اندمال الأول أو قبله، فإن ذبحه بعد الاندمال،