مسألة:
ومما انفردت به الإمامية: الابتداء في غسل اليدين في الوضوء من المرافق والانتهاء إلى أطراف الأصابع، وفي أصحابنا من يظن وجوب ذلك حتى أنه لا يجزئ خلافه، وقد ذكرت ذلك في كتاب مسائل الخلاف، وفي جواب مسائل أهل الموصل الفقهية أن الأولى أن يكون ذلك مسنونا ومندوبا إليه وليس بفرض حتم، فقد انفردت الشيعة على كل حال بأنه مسنون على هذه الكيفية، وباقي الفقهاء يقولون: هو مخير بين الابتداء بالأصابع وبين الابتداء بالمرافق، والحجة على صحة ما ذهبت إليه مضافا إلى الاجماع الذي ذكرناه أن الحدث إذا تيقن فلا يزول إلا بأمر متيقن، وما هو مزيل له بيقين أولى وأحوط مما ليس هذه صفته، وقد علمنا أنه إذا غسل من المرافق إلى الأصابع كان مزيلا للحدث عن اليدين بالإجماع واليقين وليس كذلك إذا غسل من الأصابع فالذي قلناه أحوط.
ومما يجوز أن يحتج به على المخالفين ما رووه كلهم عن النبي ص من أنه توضأ مرة مرة، ثم قال: هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به، فلا يخلو من أن يكون ابتداء من المرافق أو انتهاء إليها، فإن كان مبتدئا بالمرافق فيجب أن يكون خلاف ما فعله غير مقبول، ولفظة مقبول يستفاد منه في عرف الشرع أمران: أحدهما الاجزاء كقولنا: لا يقبل الله صلاة بغير طهارة. والأمر الآخر: الثواب عليها كقولنا: إن الصلاة المقصود بها الرياء غير مقبولة بمعنى سقوط الثواب وإن لم يجب إعادتها.
وقول المعتزلة: أن صلاة صاحب الكبيرة غير مقبولة، لأنه لا ثواب عندهم له عليها وإن كانت مجزئة لا يجب إعادتها ويجب حمل لفظة نفي القبول على الأمرين غير أنه إذا قام الدليل على أن من غسل يديه وابتدأ بأصابعه وانتهى إلى المرافق يجزئ وضوءه بقي المعنى الآخر وهو نفي الثواب والفضل وهو مرادنا، وقد بينا في مسائل الخلاف وفي جواب أهل الموصل إبطال استدلالهم بقوله تعالى: إلى المرافق، وأنه تعالى جعلها غاية للابتداء وقلنا أن لفظة " إلى " قد تكون بمعنى الغاية، وقد تكون بمعنى مع وهي في الأمرين معا حقيقة، واستشهدنا بقوله تعالى: ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم، وقوله عز وجل: من أنصاري إلى الله، وبقول أهل اللسان العربي: ولى فلان الكوفة إلى البصرة، والمراد بلفظة " إلى " في هذا كله معنى