والذي يدل على صحة مذهبنا في إيجاب المسح دون غيره مضافا إلى الاجماع الذي عولنا في كل المسائل عليه قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين، فأمر بغسل الوجه وجعل للأيدي حكمها في الغسل بواو العطف، ثم ابتدأ جملة أخرى فقال: وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم، فأوجب بالتصريح للرؤوس المسح وجعل للأرجل مثل حكمها بالعطف، فلو جاز أن يخالف بين حكم الأرجل والرؤوس في المسح جاز أن يخالف بين حكم الوجوه والأيدي في الغسل لأن الحال واحدة.
وقد أجبنا عن سؤال من يسألنا فيقول: ما أنكرتم أن الأرجل إنما انجرت بالمجاورة لا لعطفها في الحكم على الرؤوس بأجوبة:
منها: أن الإعراب بالمجاورة شاذ نادر ورد في مواضع لا يلحق بها غيرها، ولا يقاس عليها سواها بغير خلاف بين أهل اللغة، ولا يجوز حمل كتاب الله عز وجل على الشذوذ الذي ليس بمعهود ولا مألوف.
ومنها: أن الإعراب بالمجاورة عند من أجازه إنما يكون مع فقد حرف العطف، وأي مجاورة تكون مع وجود الحائل، ولو كان ما بينه وبين غيره حائل مجاورا لكانت المفارقة مفقودة، وكل موضع استشهد به على الإعراب بالمجاورة مثل قولهم: جحر ضب خرب، وكبير أناس في بجاد مزمل، لا حرف عطف فيه حائل بين ما تعدى إليه إعراب من غيره للمجاورة.
ومنها: أن الإعراب بالمجاورة إنما استعمل في الموضع الذي يرتفع فيه الشبهة ويزول اللبس في الأحكام، أ لا ترى أن أحدا لا يشتبه عليه أن لفظة خرب من صفات الجحر لا الضب، وأن إلحاقها في الإعراب بها لا يوهم خلاف المقصود وكذلك لفظة مزمل لا شبهة في أنها من صفات الكبير لا صفة البجاد، وليس كذلك الأرجل لأنه من الجائز أن تكون ممسوحة كالرؤوس فإذا أعربت بإعرابها للمجاورة ولها حكم الأيدي في الغسل كان غاية اللبس والاشتباه، ولم تجز بذلك عادة القوم.
ومنها ولم نذكر هذا الوجه في مسائل الخلاف: أن محصلي أهل النحو ومحققيهم نفوا أن