مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول بأن ماء البئر ينجس بما يقع فيها من النجاسة وإن كان كرا وهو الحد الذي حددوا به الماء الذي لا يقبل النجاسة، ويطهر ماؤها عندنا بنزح بعضه.
وهذا ليس بقول لأحد من الفقهاء لأن من لم يراع في الماء حدا إذا بلغ إليه لم ينجس بما يحله من النجاسات وهو أبو حنيفة لا يفصل في هذا الحكم بين البئر وغيرها كما فصلت الإمامية، ومن راعى حدا في الماء إذا بلغه لم يقبل النجاسة وهو الشافعي في اعتباره القلتين لم يفصل بين البئر وغيرها، والإمامية فصلت فانفردت لذلك عن الجماعة.
وعذر الإمامية فيما ذهبت إليه في البئر والفصل بينها وبين مياه الغدران والآنية هو ما تقدم من الحجة ويعضد ذلك أنه لا خلاف بين الصحابة والتابعين في أن اخراج بعض ماء البئر يطهرها وإنما اختلفوا في مقدار ما ينزح، وهذا يدل على حكمهم بنجاستها على كل حال من اعتبار بمقدار مائها وإن حكمها في أن اخراج بعض مائها يطهرها بخلاف حكم الأواني والغدران، ويمكن أن يكون الوجه في مخالفة حكم البئر فيما ذكرناه لأحكام الأواني والغدران أن نزح جميع ماء البئر يشق من وجهين: أحدهما لبعده عن الأيدي، والآخر لأن ماءها يتجدد في كل حال مع النزح فشق اخراج الجميع، والأواني لا يشق إراقة جميع مائها.
وكذلك الغدران إذا كان ماؤها أقل من كر ألا ترى أن غسل الأواني لما تيسر بعد اخراج النجاسة وجب، ولما تعذر ذلك في البئر سقط فلما خفف حكم البئر من الوجه الذي ذكرناه عن الأواني والغدران غلظ من وجه آخر وأسقط منها اعتبار مبلغ الماء في قلة أو كثرة لئلا يجتمع تخفيفان الحكم والمشقة اعتبار ذلك فيها لبعدها.
مسألة:
ومما ظن أن الإمامية منفردة به وشنع عليها القول: بأن جلود الميتة لا تطهر بالدباغ.
وهو مذهب أحمد بن حنبل، فالشيعة غير منفردة به.
والدليل على صحة ما ذهبت إليه من ذلك مضافا إلى الطريقة المشار إليها في كل المسائل قوله: تعالى حرمت عليكم الميتة، وهذا تحريم مطلق يتناول أجزاء الميتة في كل حال،