وجلد الميتة يتناوله اسم الموت لأن الحياة تحله وليس بجار مجرى العظم والشعر وهو بعد الدباع يسمى جلد ميتة، كما كان سمي قبل الدباع فينبغي أن يكون خطر التصرف فيه لاحقا به، ويمكن أن يحتج على المخالفين بما هو موجود في كتبهم ورواياتهم من حديث عبد الله بن حكيم أنه قال: أتانا كتاب رسول الله ص قبل موته بشهرين ألا تنتفعوا بإهاب من الميتة ولا عصب، ولا يعارض هذا الخبر ما يروونه عنه ع من قوله: أيما أهاب دبغ فقد طهر، لأن خبرهم عام اللفظ والخبر الذي احتججنا به خاص، فنبني العام على الخاص لكي نستعمل الخبرين ولا يطرح أحدهما.
فإن قالوا: نحمل خبركم على تحريم الانتفاع بإهاب الميتة وعصبها قبل الدباع.
قلنا: هذا تخصيص وترك للظاهر على كل حال على أنه لا معنى له لأن العصب يحرم الانتفاع به على كل حال قبل الدباع وبعده وليس بجار مجرى الجلد، فإن عارضونا بما يروونه عنه ع من قوله وقد سئل عن جلود الميتة فقال: دباغها طهورها.
قلنا: إذا تعارضت الأخبار سقط الاحتجاج بها ورجعنا إلى ظاهر نص الكتاب على أنه يمكن حمله على أن المراد به ما حله الموت من المذكي وسمي بذلك ميتة على ضرب من التجوز فليس ذلك بأبعد من قولهم في خبرنا أن المراد به لا تنتفعوا بإهاب ولا عصب قبل الدباع.
فإن قيل: كيف تحملونه على ذلك وجلد المذكي طاهر قبل الدباع؟
قلنا: عندنا أن جلود ما لا يؤكل لحمه من البهائم إذا ذكيت فلا يطهر جلدها إلا بالدباغ بخلاف جلد ما يؤكل لحمه فيكون المراد جلود ما مات بالذكاة مما لا يؤكل لحمه دباغها طهورها، وإن حملناه على جميع جلود المذكي مما يؤكل لحمه ومما لا يؤكل لحمه جاز لأن جلود ما أكل لحمه إذا ذكي وكان عليه نجاسة الدم فإذا دبغ زال ذلك عنه.
وقول بعضهم أن الجلد لا يسمى أهابا بعد الدبغ وإنما يسمى بذلك قبل دبغه لا يلتفت إليه لأنه خارج عن اللغة والعرف.