للحكم بشرط متى لم يكن موقوفا عليه لم يؤثر، وبينا هناك أنه يمكن أن يكون الفرق بين دم الحيض وسائر الدماء أن حكم دم الحيض أغلظ لأنه يوجب الغسل فلهذا خولف بينه وبين غيره.
وقلنا أيضا: أنه يمكن أن يكون الفرق بين دم الحيض والنفاس إذا جمعنا بين دم الحيض والنفاس في هذه الصفة أن البلوى بسائر الدماء أعم من البلوى بدم الحيض والنفاس لأن سائر الدماء يخرج من جسم الصغير والكبير والذكر والأنثى والحيض والنفاس يختصان ببعض من ذكرناه وأيضا فإن دم النفاس والحيض يختصان في الأكثر بأوقات معينة ويمكن التحرز منها وباقي الدماء بخلاف ذلك، وإنما فرقنا بين الدم والبول والمني وسائر النجاسات في اعتبار الدرهم للإجماع المتقدم ويمكن أن يكون الوجه فيه أن الدم لا يوجب خروجه من الجسد وضوءا على اختلاف مواضعه والبول والعذرة والمني يوجب خروج كل واحد منها الوضوء، وفيها ما يوجب الغسل وهو المني فغلظت أحكامها من هذا الوجه على حكم الدم، ومن أراد الاستقصاء رجع إلى حيث ما ذكرنا.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن المني نجس لا يجزئ فيه إلا الغسل، لأن أبا حنيفة وإن وافقهم في نجاسة فعنده أنه يجزئ فرك يابسه والشافعي يذهب إلى طهارته.
وأما ما حكي عن مالك من أنه يذهب إلى نجاسته ويوجب غسله فليس ذلك بموافقة للشيعة الإمامية على الحقيقة، لأن مالك لا يوجب غسل جميع النجاسات وإنما يستحب ذلك، والإمامية توجب غسل المني فهي منفردة بذلك، وقد استوفينا أيضا الكلام على هذه المسألة في مسائل الخلاف ورددناه على كل مخالف لنا فيها بما فيه كفاية، ودللنا على نجاسة المني من قوله تعالى: وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان، وروي في التفسير أنه تعالى أراد بذلك أثر الاحتلام، والآية دالة من وجهين على نجاسة المني:
أحدهما يوجب أن الرجز والرجس والنجس بمعنى واحد بدلالة قوله تعالى: والرجز فاهجر، وأراد عبادة الأوثان. وفي موضع آخر: فاجتنبوا الرجس من الأوثان.