ومنشأ القولين الأولين الأخبار المختلفة الواردة في المسألة، وأما الأخيران، أي التخيير والتفصيل، فلا رواية على وفقهما في هذه المسألة، ولعل القول بالتفصيل نشأ من الجمع بين الأخبار، أو من قياس المسألة بالمسألة السابقة، والقول بالتخيير نشأ إما من الجمع بين الأخبار بحمل كل واحدة من الطائفتين على كونها بصدد بيان أحد فردي التخيير فيكون التخيير واقعيا، أو من جهة ما ورد من الحكم بالتخيير بين المتعارضين فيكون التخيير ظاهريا.
وكيف كان فليست هذه المسألة بوضوح المسألة السابقة، لتعارض النصوص الأقوال فيها جدا، فلنذكر الأخبار ثم نتعرض لما هو الحق فيها.
فنقول: أما ما يدل على كون الاعتبار بحال الأداء فأربع روايات:
1 - صحيحة إسماعيل بن جابر، وقد مرت في المسألة الأولى، وهي صريحة في بيان حكم كلتا المسألتين.
2 - الرابعة من روايات محمد بن مسلم، وقد مر شرحها أيضا.
3 - ما رواه الكليني عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشاء، قال:
سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: " إذا زالت الشمس وأنت في المصر وأنت تريد السفر فأتم، فإذا خرجت بعد الزوال قصر العصر. " ورواه الشيخ أيضا بإسناده عن الحسين بن محمد، وبإسناده عن محمد بن يعقوب. (1) والفقرة الأولى من الرواية ناظرة إلى بيان أن صرف نية السفر لا توجب القصر ما لم يتلبس به، وقد عرفت سابقا ما عن الحارث بن أبي ربيعة من أنه أراد سفرا فصلى بهم ركعتين في منزله، (2) وفيهم الأسود بن يزيد وغير واحد، فلم يردعوه.