تنبيه وفذلكة لما سبق قال العلامة في القواعد عند ذكر شرائط القصر: " الثالث: استمرار القصد، فلو نوى الإقامة في الأثناء عشرة أيام أتم وإن بقي العزم، وكذا لو كان له في الأثناء ملك قد استوطنه ستة أشهر متوالية أو متفرقة، ولا يشترط استيطان الملك بل البلد الذي هو فيه، ولا كون الملك صالحا للسكنى بل لو كان له مزرعة أتم (إلى أن قال:) فلو اتخذ بلدا دار إقامته كان حكمه حكم الملك. " (1) أقول: قد ذكر الأصحاب طرا من قواطع السفر العزم على إقامة العشرة والبقاء ثلاثين يوما مترددا. وذكر الشيخ في المبسوط في عدادها مرور المسافر أثناء سفره بملكه الذي استوطنه ستة أشهر، وتبعه ابن إدريس وبعض آخر، إلى أن اشتهر الإفتاء به من زمن المحقق (قده) كما عرفت. وأما ما ذكره العلامة أخيرا من كون المرور بدار الإقامة قاطعا فلا يوجد في كلام من سبقه حتى المحقق، وليس وجه عدم ذكر الأصحاب لذلك عدم تسليمهم لقاطعيته، بل لوضوح الحكم عندهم وغناه عن الذكر، حيث إن كلامهم كان في حكم المسافر الضارب في الأرض، والمرور بدار الإقامة والمقر الفعلي مما يخرج الشخص من كونه مسافرا حقيقة. وبالجملة محط نظر الأصحاب بيان القواطع التي توجب الإتمام مع انحفاظ موضوع القصر، أعني السفر، فعدوا منها العزم على إقامة العشرة وإقامة ثلاثين مترددا والمرور بالملك الذي استوطنه ستة أشهر، وقاطعية الأمور الثلاثة عندهم قاطعية تعبدية لا حقيقية، ولم يذكروا المرور بدار الإقامة التي تسمى في عرفنا بالوطن لوضوح كونه قاطعا للسفر حقيقة وعدم انحفاظ موضوع القصر معه. ولعل ذكر العلامة له كان لبعض الشبهات التي وقعت في زمانه كما يأتي نظيرها عن صاحب المستند. وقد عرفت أن
(٢١٥)