فإنه يقال: عمدة الدليل لحجية الخبر والاعتماد عليه هو بناء العقلاء، وإذا تمشى احتمال عقلائي معتنى به عندهم صار مانعا عن الاعتماد والعمل. وكيف كان فالمتيقن في المقام ثلاث روايات.
وتقريب الاستدلال بها أن الغالب والمندوب إليه شرعا هو خروج الحجاج إلى عرفات في يوم التروية، وعودهم إلى مكة في يوم العيد أو في غده، فيقرب سفرهم إليها من يومين أو أزيد. ولو فرض خروجهم إليها في صباح عرفة ورجوعهم إلى مكة في ضحى العيد لكان مدة السفر أيضا أزيد من يوم وإن فسر بمجموع النهار والليلة. فيثبت بذلك عدم اعتبار وقوع الذهاب والإياب في يوم واحد.
لا يقال: لعل المضر هو البقاء ليلا في المقصد لا في أثناء الرجوع، والمسافر إلى عرفات لا يبقى بها ليلا.
فإنه يقال: إن نظر من يشترط الرجوع ليومه إلى وقوع مجموع الثمانية في يوم واحد حتى يشغل السفر يومه، فلا فرق عنده في عدم تحتم القصر بين من يبقى ليلا في المقصد أو في أثناء الرجوع.
المناقشة في الاستدلال بأخبار عرفات ويمكن أن يناقش في الاستدلال بأخبار عرفات بأن المستفاد منها تحتم القصر على من خرج إلى عرفات حاجا، وأما اعتبار الرجوع ودخالته في ذلك فضلا عن اعتبار كونه ليومه فلا يستفاد منها، وبعبارة أخرى: مفاد أخبار عرفات مفاد الطائفة الثانية، أعني ما دلت على كون الأربعة بنفسها محققة للسفر الموجب للقصر، وليس فيها اسم من دخالة الرجوع في إيجابه.
ولو تفصيت عن ذلك بأن الاستدلال بها إنما هو بعد ضم أخبار التلفيق إليها تحكيمها عليها، فلنا أيضا أن نناقش في بعضها فنقول: أما رواية الحلبي الأوليان من روايات معاوية فيحتمل أن يكون المراد بأهل مكة فيها أهل بواديها، بحيث يكون