تتبعت الأخبار وتدبرت فيها ظهر لك أن فقهاء الأصحاب في جميع الأعصار كانوا على قولين: فبعضهم يتم وبعضهم يقصر، ومنشأ اختلافهم اختلاف الأخبار التي كانت بأيديهم، وقد سرى الاختلاف من فقهاء كل طبقة إلى الطبقة اللاحقة، وهكذا إلى هذه الأعصار، حيث إن سلسلة فقهنا - معاشر الإمامية - لم تنقطع منذ تأسيسه أعني من عصر الصادقين (عليهما السلام) إلى عصرنا هذا، فكان كل طبقة تتلقى الفقه من سابقتها بلا حصول فترة. وأما اختلاف الأخبار فلعله لمصالح رآها الأئمة (عليهم السلام) في إلقاء الاختلاف، ولا ندري ما هو السبب في صدور هذه الأخبار المختلفة، فإن أوضاع عصرهم وأحوال صحابتهم ليست بأجمعها مبينة لنا. ولعل صدور أخبار القصر في المسألة كان لأجل تقيتهم (عليهم السلام) من بعض الشيعة الضعفة، كما يلوح ذلك من خبر أبي شبل (الثامن مما سبق)، فإن عقائد الشيعة وسلائقهم كانت مختلفة جدا. ألا تنظر إلى تقية فقهاء العصر من بعض مقلديهم وعدم تمكنهم من إظهار فتاويهم الواقعية لهم اضطرارهم إلى إظهارها بنحو لا تخالف أنظار الناس وارتكازاتهم؟
وبالجملة لم يثبت في المسألة شهرة على القصر، فلا محيص عن الرجوع إلى الأخبار، وما يدل منها على جواز الإتمام بلغت في الكثرة حدا يمكن دعوى القطع بصدور بعضها، ولا يحتمل فيها التقية كما عرفت، فيجب الأخذ بها، وظهور بعضها في تعين الإتمام لا يمنع عن القول بالتخيير بعد صراحة بعضها في التخيير. فيبقى ما تدل على تعين القصر، وهي قليلة جدا لا تقاوم هاتين الطائفتين، وقد عرفت آنفا تأويلها، فتدبر جيدا.
بيان موضوع المسألة...
وأما المقام الثاني، أعني البحث عن موضوع المسألة فملخص الكلام فيه أن مفاد الأخبار في المقام مختلف جدا: