ذلك سأل الإمام (عليه السلام) عن الاستيطان، فأجابه الإمام (عليه السلام) بذكر أظهر أفراد الوطن المستجد، وهو الموضع الذي يكون للشخص فيه علاقة ملكية ويقيم فيه في كل سنة ستة أشهر، ليكون أبلغ في دفع استغرابه واستبعاده، وإلا فالوطن العرفي يتحقق بأقل من ذلك أيضا، إذ يمكن أن يتصور للشخص أزيد من وطنين، وإنما يتصور ذلك إذا لم نعتبر في صدقة عرفا إقامة ستة أشهر في كل سنة.
فإن قلت: لو كان المراد من قوله (عليه السلام): " يستوطنه " مفهومه العرفي وكان هذا متبادرا إلى ذهن السائل لم يتصد للسؤال عن الاستيطان، فيدل سؤاله عنه على كونه عالما بثبوت الوطن الشرعي إجمالا فسأل عن حده.
قلت: لعل وجه سؤاله ما أشير إليه آنفا من استغرابه لكون الضيعة وطنا له مع كونه متوطنا في بلد آخر، أو احتماله لأن يكون للشارع وضع جديد للاستيطان بأن يكون الوطن بنظر الشرع أوسع مما يراد منه عرفا، ويكون جواب الإمام (عليه السلام) متضمنا لبيان أظهر أفراد الوطن المستجد الذي هو من أفراد الوطن العرفي.
هذه غاية ما يمكن أن يقال في مقام تطبيق الأخبار على الوطن العرفي.
ما هو محط النظر في الأخبار وتقريب " الوطن الشرعي " أقول: الظاهر أن ما ذكر لا يلائم ما هو محط النظر في هذه الأخبار سؤالا وجوابا، واللازم في مقام الاستفادة من أخبار كل باب ملاحظة خصوصيات الأسئلة الواقعة فيها والظروف التي صدرت فيها هذه الأخبار، ولا يخفى أن كون المرور بالمقر الفعلي والوطن العرفي موجبا للإتمام لم يكن أمرا مبحوثا عنه في عصر الأئمة (عليهم السلام)، بل هو أمر واضح لا ينبغي البحث عنه، لما عرفت من أن تعليق الحكم بالقصر على السفر والضرب في الأرض يدل بنفسه على انقطاع السفر حقيقة بالمرور بالمقر الفعلي ومحل الإقامة. فالروايات الواردة في المسألة لا ترتبط بمسألة المرور بالمقر الفعلي الذي