ولقائل أن يقول: إن الترديد في الحديث من جهة أن المسافة الشرعية الموجبة للقصر وإن كان أمرا واقعيا واحدا لكنها ربما تستكشف لنا بسبب سير البريد، كما في الطرق العامة التي يمر بها البرد، وربما تستكشف بمسيرة القوافل كما في الطرق الخاصة التي لا تمر بها البرد. ويحتمل أيضا أن يكون المراد ببياض اليوم شغل السفر ليومه فعلا، بناء على كونه ملاكا مستقلا في إيجاب القصر في قبال البريدين كما احتملنا ذلك في خبر محمد بن مسلم السابق أيضا. ويحتمل أيضا أن يكون الترديد في الرواية من الراوي، فتدبر.
ثم إنهم ربما قيدوا السير في المقام بكونه معتدلا، وقيده بعضهم بكونه في المكان المعتدل أيضا، وآخرون بكونه في اليوم المعتدل لامثل أيام الشتاء والصيف.
أقول: يرد على ما ذكروه أخيرا من اعتبار التعارف والاعتدال في اليوم ما أشرنا إليه سابقا من أن المراد بمسيرة اليوم ليس وقوع السير في جميع بياض اليوم بحيث يبتدأ بابتدائه وينتهي بانتهائه، حتى يعتبر في اليوم كونه معتدلا، بل المراد بمسيرة اليوم أو بياض اليوم الواردين في الروايات هو المقدار الذي يصرف في السير عادة من مجموع اليوم والليلة في مقابل المقدار الذي يصرف منهما في الاستراحة، فإن المعتاد بين المسافرين صرف مقدار منهما يناسب السير في المسير، وصرف الباقي في الاستراحة، ويختلف ذلك باختلاف الفصول والأزمان، ولم يجر العادة على صرف خصوص البياض في السير، بل ربما يكون السير في اليوم فقط، وربما يكون في الليل فقط، وربما يكون بالتلفيق حسب اقتضاء الحال والزمان.
تحديد الفرسخ والميل والذراع المسألة الثانية: قالوا في تحديد الفرسخ بأنه ثلاثة أميال، والميل أربعة آلاف ذراع، طول كل ذراع أربع وعشرون إصبعا، كل إصبع سبع شعيرات.