عدم اعتبار الحد في غير الوطن ومحل الإقامة المسألة الثالثة: لا يعتبر حد الترخص في السفر الشرعي المنشأ من غير الوطن ومحل الإقامة.
وذلك كالعاصي بسفره إذا تبدل في الأثناء قصده إلى الطاعة، وكالمسافر بلا قصد للمسافة إذا قصدها في الأثناء، وكالمكاري مثلا إذا قصد في الأثناء سفرا في غير شغله، ونحو ذلك.
ففي هذه الموارد يثبت القصر بصرف الشروع في السفر الموجب له، كما يدل عليه إطلاقات أدلة القصر. وغاية ما ثبت بالصحيحتين تقييدها بالنسبة إلى الوطن أو بإضافة محل الإقامة، فيبقى غيرهما مشمولا للإطلاقات.
والسر في ذلك ما أشرنا إليه من أن عدم ثبوت القصر بالنسبة إلى من لم يصل إلى حد الترخص ليس تعبدا محضا، بل من جهة أنه يعد حاضرا في البلد ما لم يتوار عنه جدرانه ولم يخف عليه أذانه، وإنما يصدق عليه بحسب نظر العرف عنوان المسافر إذا تجاوز الحدين وخفي عليه آثار البلد بالكلية.
وهذا البيان لا يجري في غير الوطن وما بحكمه، فإن العاصي بالسفر مثلا إذا تبدل قصده في الأثناء لا يتوقف صدق عنوان المسافر عليه على التجاوز عن حد خاص، بل العنوان كان صادقا عليه قبل تبدل القصد أيضا، غاية الأمر عدم ثبوت القصر له لوجود مانع يمنع عنه وهو العصيان، فإذا ارتفع المانع ثبت القصر بلا حالة منتظرة، إذ ليس مكان تبدل القصد مثلا وطنا للمسافر حتى يعد كونه في حدوده توابعه حضورا فيه ويتوقف صدق عنوان السفر على التجاوز عن حدوده بالكلية، فتدبر.