تفسير آية الجمعة ولنذكر أولا مفاد آية الجمعة ثم نرجع إلى تحقيق المسألة:
قال الله تعالى في سورة الجمعة: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون * (إلى أن قال:) وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما) (1) الآية.
وقد يتوهم دلالة الآية الشريفة على وجوب صلاة الجمعة بنحو الإطلاق على كل أحد، فيجوز التمسك بها لنفي كل ما شك في شرطيته.
وقد نشأ هذا التوهم من عدم الملاحظة لمورد نزولها، إذ بملاحظته يعلم أنها ليست بصدد تشريع الجمعة، وإنما نزلت في واقعة خاصة اتفقت بعد ما كانت صلاة الجمعة مشرعة ومعمولا بها بين المسلمين.
وقصة ذلك أن دحية بن خليفة الكلبي كان يسافر إلى الشام ويأتي بمال التجارة إلى المدينة ثم يضرب بالطبل لإعلام الناس بقدومه، فقدم ذات جمعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قائم على المنبر يخطب، فلما ارتفع صوت الطبل خرج الناس انفضوا إليه بعضهم لاشتراء المتاع وبعضهم لاستماع اللهو (الطبل) وتركوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قائما فنزلت الآيات الشريفة.
والمراد بالذكر فيها هو الخطبة كما عليه الأكثر، ولذا استدل بها أبو حنيفة على كفاية ذكر الله فقط في خطبة الجمعة. كما استدل لها أيضا بفعل عثمان، فإنه حين ما ولي الخلافة خطب للجمعة فقال: الحمد لله، فلما قال ذلك صار ألكن. فقال: إنكم إلى إمام فعال أحوج منكم إلى إمام قوال. (2)