مع قطع النظر عن رواية ابن بزيع أيضا ليس حكم انقطاع السفر دائرا مدار صدق الوطن عرفا، بل المرور بالمقر الفعلي مما يخرج الإنسان من كونه مسافرا حقيقة، سواء ساعد العرف واللغة على إطلاق لفظ الوطن عليه أم لا. وبالجملة المرور بالمقر الفعلي يقطع السفر حقيقة، والمرور بالموضع الذي له فيه ملك وقد أقام فيه ستة أشهر أيضا يقطعه حكما عند من يقول به، وليس الحكم أبدا دائرا مدار عنوان الوطن وليس في كلمات الأصحاب أيضا اسم منه. والتعبير به وكذا تفسيره تقسيمه إلى الشرعي والعرفي ثم الثاني إلى الأصلي والمستجد أمور حدثت بين متأخرين المتأخرين، فتتبع.
هذا كله على فرض حمل رواية ابن بزيع على ما هو ظاهر الفقيه، أو على ما نسب إلى المشهور.
وأما الثالث، أعنى حمل الرواية على تحديد الوطن العرفي والمقر الفعلي للشخص بحسب طبعه كما فسرناه سابقا فغاية تقريبه أن يقال: إن روايات علي بن يقطين والحلبي وابن بزيع كلها بصدد البيان، وقد علق وجوب الإتمام فيها على الاستيطان والتوطن، من غير أن يتصدى الإمام (عليه السلام) بنفسه لتفسير الاستيطان، ولا ريب أنه كان يتبادر إلى أذهان السائلين من هذا اللفظ مفهومه العرفي. فلو كان مراده (عليه السلام) معنى آخر لكان الاكتفاء بذكر الاستيطان من غير بيان المراد منه إغراء بالجهل، فيكشف بذلك أن المراد به مفهومه العرفي. وهذا البيان يجري حتى في رواية ابن بزيع أيضا، حيث علق الإمام (عليه السلام) فيها الإتمام على أن يكون له في الضيعة منزل يستوطنه، واكتفى بذلك مع كونه في مقام البيان، بحيث لو لم يسأل السائل عن مفهوم الاستيطان لم يتعرض هو بنفسه لتفسيره كما في سائر الأخبار. ولو كان مراده (عليه السلام) غير المفهوم العرفي لكان عليه بيانه ابتداء. واحتمال كون المفهوم الشرعي للوطن أمرا معروفا عند السائلين بحيث لم يكن محتاجا إلى البيان في غاية الضعف.
وبالجملة تعليق الحكم في الأخبار السابقة على الاستيطان وعدم التعرض