عدم اعتبار قصد الدوام في الاستيطان ثم إنك قد عرفت سابقا أن المرور بمحل الإقامة الفعلية مما يخرج المسافر حقيقة من كونه مسافرا ويجعله حاضرا سواء كان وطنا أصليا أو مستجدا كما هو اصطلاح المتأخرين، وعرفت أيضا عدم اعتبار قصد الدوام في صيرورة بلد وطنا ومقرا للشخص، بل قد لا يضر التوقيت أيضا.
وقد يشتبه الأمر في بعض المصاديق، ومنها المجامع العلمية مثل قم والنجف نحوهما بالنسبة إلى الطلاب المجتمعة فيها لتحصيل العلم، وربما يطول مدة إقامة بعضهم فيها، فيهيؤون فيها لأنفسهم أسباب التعيش ووسائل الإقامة من شراء الدار أو استيجارها وتهيئة الفروش والظروف ونحوها، فصاروا بحيث يعد البلد مقرا فعليا لهم ويكون بقاؤهم فيه بالطبع والخروج بالقسر، ويرون الخروج منه سفرا والوصول إليه حضورا في المقر والمسكن، مع أنهم لم يقصدوا البقاء فيه دائما بل يغفل بعضهم عن ذلك ويقصد بعضهم الهجرة منه بعد حصول الاستغناء العلمي.
وحينئذ فهل يترتب على هذا البلد بالنسبة إليهم آثار الوطن العرفي من انقطاع السفر حقيقة بصرف مرورهم به أو لا؟
لا يبعد القول بالانقطاع، بداهة أن مثل قوله تعالى: (وإذا ضربتم في الأرض) الآية، لا يشمل هذا القبيل من الأشخاص بعد وصولهم إلى مقرهم. فإذا كان أحد من طلاب النجف مثلا يسافر كل جمعة إلى كربلاء للزيارة ويعود فورا إلى النجف يأوي مأواه ويشتغل بشغله من التحصيل والتدريس فهل يساعد العرف على إطلاق عنوان المسافر عليه بعد ما وصل إلى النجف واستقر في مسكنه كما يساعد على إطلاقه عليه حين الذهاب والإياب وحين كونه في كربلاء؟ لا إشكال في عدم مساعدة العرف على ذلك بعد ما اتخذ هذا الشخص بلدة النجف ولو في مدة