قال البلاغي: " عن ابن عباس قال: دين الله. وسميت صبغة باعتبار الأثر الكريم الظاهر من التوحيد ومكارم الأخلاق وزينة الشريعة ". (1) أقول: هذا تكلف لا يلائم ولا يناسب ذيل الآية: ومن أحسن من الله صبغة.
والظاهر الآية أن هذه الصبغة من صنع الله الكريم ومن فضله وقوله تعالى: ومن أحسن من الله صبغة قرينة واضحة على ما ذكرناه. أي، إنه من صنع الله شديد الحسن. والمراد هداية الله تعالى إياهم بالفطرة والجبلة وتعريفه تعالى نفسه إليهم. وهو الصراط الحق الذي لا يختف عن الواقع، وفطرة الله التي لا تبديل ولا تغيير فيها. والآية الكريمة نظيرة قوله تعالى:
فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم. (2) وبهذا البيان يتجلى معنى الآية ويأخذ الاحتجاج على اليهود والنصارى موقعه ومحله ويتم عليهم الاحتجاج بأن الأمر المخالف للفطرة خلاف البداهة والضرورة.
واعلم أن فاطر الخلق على توحيد الله ومعرفته لا تبديل فيها ولا تغيير وصانعهم على ذلك صنعا لا يتحول ولا يزول، هو الله سبحانه وحده لا شريك له. وهو الله الذي فطرهم وصبغهم فطرة قيمة لا عوج فيها وصبغة حسنة جميلة لا غيب فيها. فعلى ذلك يكون قوله تعالى: ومن أحسن من الله صبغة دالا على شدة حسن فعله وغاية جماله وكماله. وحيث إنه فعله تعالى مستقيما ولا يقدر عليه أحد غيره، متفردا ومتوحدا في ذلك، لا يشترك فيه معه أحد. ويشهد على ذلك أن " أفعل " في صفاته ونعوته تعالى، منسلخ عن التفاضل. فلا يمكن أن يقال: إن فعله تعالى في هذه الفطرة والصبغة أحسن من فعل غيره سبحانه: لظهور أن مقايسة شئ لشئ متوقفة على وحدة مرتبة الشيئين، وليس هناك فاعل غيره سبحانه حتى