وهو العزيز الحكيم (1) أي: أن له تعالى نعوتا وأوصافا أعلى وأجل من أن يتصور بالعقول والأفهام والأوهام. وسنريد لذلك توضيحا في باب نفي التوصيف إن شاء الله.
فتبين من جميع ما ذكرنا أنه سبحانه يسمى وينعت بجميع صفاته الذاتية، مثل العلم والقدرة والحياة وبجميع أفعاله الحكمية الجملية، مثل الخلق والرزق والإحياء والإماتة، وبجميع نعوته السلبية من التقديس والتنزيه عن النقائص والمعائب، مثل لا شريك له ولا ضد له، ولا ند له، ولا يظلم، ولا يعبث وغيرها. والمهم استخراج تلك الأفعال التي نسبها إلى نفسه المقدسة عدلا أو فضلا بحسب الكتاب والسنن المعتبرة. وأما النعوت الكمالية التي نراها بحسب علومنا وأفهامنا، فلا يوصف ولا يسمى بها ربنا سبحانه، فإنها داخلة في باب التوصيف بما لم يصف ولم يسم به نفسه.
فجميع الأدلة القائمة على النهي من التوصيف، ينادي على عدم جواز توصيفه تعالى بها. وكذلك لا يوصف بأفعال خلقه وصفاتهم، سواء كان من الأفعال الصادرة منهم من حيث إنهم حقائق مادية أو أفعالهم النورية، مثل القدرة والعلم والعقل. فلا يوصف بأنه عالم بهذا المعنى الموجود في الخلق. فإن كل كمال في الخلق نقص في الخالق وجميع التقديسات والتكبيرات في الكتاب والسنة راجعة إلى تقديسه من التوصيف المطلق إلا بما وصف به نفسه.
واعلم أن ما ذكرنا من عدم جواز التسمية والتوصيف بأفعال خلقه وصفاتهم - مثل إطلاق العالم بما له من المعنى الموجود في الخلق عليه تعالى - إنما هو من حيث توصيف الغير المتناهي بالمحدود وتعاليه وتأبيه تعالى عن هذا التوصيف. وأما من حيث التوحيد الأفعالي ونسبة هذه الأفعال إليه تعالى فمن الأوهام الباطلة. وتسمية ذلك توحيدا أفعاليا مغالطة واضحة. فسبحان الله عما يقولون إذ ليست أفعال العباد منسوبة إليه تعالى بوجه.